الخميس، 16 مايو 2013

حكم أكل السمك الطافي والجراد الذي مات حتف أنفه


بسم الله الرحمن الرحيم

حكم أكل السمك الطافي والجراد الذي مات حتف أنفه

الشيخ محمد سليمان الفرا

قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ( البقرة: 172، 173 ).

&           حكم ميتة السمك والجراد:

دلت الآيات على حرمة جملة من الأعيان: ( الميتة، الدم، لحم الخنزير، ما أهل به لغير الله ). والميتة في اصطلاح الفقهاء: ( ما مات حتف أنفه، ومأكول اللحم إذا مات بغير ذكاة شرعية، ويشمل غير مأكول اللحم ولو ذبح بذكاة شرعية ).

ـ فائدة في أسباب النزول: جاء في تفسير الطبري: " عن عبد الله ابن عباس ـ رضي الله تعالى عنه ـ قال: ( جادل المشركون المسلمين، فقالوا: ما بال ما قتل الله لا تأكلونه ؟ وما قتلتم أنتم أكلتموه ؟ وأنتم تتبعون أمر الله ؟ فأنزل الله تعالى: { وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } ( سورة الأنعام: الآية 121 ).
 
وأجمع العلماء على حرمة أكل الميتة لورود النصوص القاطعة في ذلك، ومنها: ـ

1.  قال تعالى: { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }، ( سورة البقرة: الآية 173 ).
2.  وقال جل وعلا: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ }، ( سورة المائدة: من الآية 3 ).
3.  وقال الله تعالى أيضاً: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ( سورة النحل: الآية 115 ).
ـ وجه الدلالة من الآيات الكريمة: نصت هذه الآيات صراحة على حرمة أكل الميتة، وهي عامة في كل ميتة؛ لأنه قوله تعالى ( ميتة ) من ألفاظ العموم؛ لمجيئها محلاة بـ ( أل ) التعريف، ومعلوم أن (أل) التعريف إذا دخلت على جنس شملت جميع أفراده.

ولكن وردت أدلة خاصة تبيح تناول بعض أنواع الميتة، وهي على النحو التالي: ـ

1.  أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الله بن أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: ( غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَوْ سِتًّا كُنَّا نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ )

2.  أخرج ابن ماجه في سننه عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: ( أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ الْحُوتُ وَالْجَرَادُ ).

3.  وأخرج الترمذي في سننه أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: ( سَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ الْمَاءِ؛ فَإِنْ تَوَضَّأْنَا بِهِ عَطِشْنَا؛ أَفَنَتَوَضَّأُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ ؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ ).

4.  أخرج الشيخان في صححيهما عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ قال: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ثَلَاثَ مِائَةِ رَاكِبٍ أَمِيرُنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ نَرْصُدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، فَأَقَمْنَا بِالسَّاحِلِ نِصْفَ شَهْرٍ فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْجَيْشُ جَيْشَ الْخَبَطِ، فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ وَادَّهَنَّا مِنْ وَدَكِهِ حَتَّى ثَابَتْ إِلَيْنَا أَجْسَامُنَا... فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كُلُوا رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ فَأَكَلَهُ ).

وعليه فهذه الأحاديث تدل على جواز أكل نوعين من الميتة، هما: ( ميتة السمك، وميتة الجراد )، وإليك تفصيل أقوال أهل العلم في المسألة: ـ

ـ أولاً: ميتة السمك: فقد اجمع العلماء على عدم حاجته للذبح بذكاة الشرعية، ولكنهم اختلفوا في السمك الطافي على وجه الماء: ـ

فذهب جمهور العلماء إلى إباحة أكله لعموم الأدلة السابقة؛ ذلك أنها لم تفرق بين ما تم اصطياده، وما يطفوا على وجه الماء.

ولكن الحنفية خالفوا، فذهبوا إلى تحريم السمك الطافي على وجه البحر، وأحلوا ما جزر عنه.

وقد استدلوا على ذلك بما أخرجه أبو داوود وابن ماجه وغيرهم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ـ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: ( مَا أَلْقَى الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ، وَمَا مَاتَ فِيهِ وَطَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ ).

 قَالَ أَبُو دَاوُد رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَيُّوبُ وَحَمَّادٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَوْقَفُوهُ عَلَى جَابِرٍ، وَقَدْ أُسْنِدَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفي سنده إسماعيل بن أمية وهو متروك الحديث.

ـ ثانياً: الجراد: وقد أجمع العلماء على جواز أكله؛ ولكنهم اختلفوا فيما مات حتف أنفه، ولم يمت بسبب؛ هل يجوز أكله أم لا ؟

فذهب جمهور العلماء إلى إباحة أكله كيفما مات؛ بسـبب أو غيره عملاً بعموم الأحـاديث المبيحة لأكله، وخالف الإمام مـالك والإمام أحمد في رواية عنه فقالا: لا يجوز أكله إلا إذا مات بسـبب؛ أما إذا مات بغير سـبب فلا يجوز أكله، ولا دليل لهم، بل إن قولهم مخالف لعموم الأحاديث السـابقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق