الخميس، 27 أكتوبر 2016

التّاءُ المبسُوطةُ والتّاءُ المربوطَةُ

تُكتَبُ التَّاُء مربوطةً (ة) فِي أواخِرِ الأسمَاءِ فَقَط، وذلكَ فِي مَواضِعَ أشهرُهَا أربَعَةٌ:
- الاسمُ المُفرَدُ المُؤنّثُ ونَعتُهُ، ومثالُهاَ: مُعلِّمةُ، وفتاةٌ، وحَدِيقَةٌ، وجمِيلَةٌ.
- جمعُ التّكسِيرِ الذِي لا ينتَهِي مُفردُهُ بتَاءٍ، ومِثَالُهُ: قُضَاةٌ (مُفردُهَا قَاضٍ)، وعَبَاقِرَةٌ (مُفردُهَا عَبقَرِيٌّ).
- ظَرفُ المَكَانِ (ثَمّةَ)، وَمَعنَاهُ ( هُـنَاكَ )، وَمِثَالُهُ: ثَمّةَ رجالٌ فِي المَسجِدِ.
- صِفَةُ المُذكَّرِ (الفَاعِلِ) الدَالَّةُ عَلَى المُبَالَغَةِ، ومِثَالُهَا: نَسّابَةٌ, ودَاهِيَةٌ, ورَاوِيَةٌ, وهُمَزَةٌ, ولُمَزَةٌ.
وتُكتَبُ التَّاءُ مَبسُوطَةً (ت) فِي الأسمَاءِ، وفِي الأفعَالِ.
أمَّا فِي الأسمَاءِ، فأشهَرُهَا المَوَاضِعُ التَّالِيَةُ:
- جَمعُ المُؤنَّثِ السَّالِمُ، وِمثالُهُ: مُعَلِّمَاتٌ، وَطَالِباتٌ، وانتصَارَاتٌ.
- الاسمُ الثّلاثِيُّ سَاكِنُ الوَسَطِ، ومثاُلهُ: بِنْتٌ، ووَقْتٌ، وأخْتٌ، ومَوْتٌ.
- جَمعُ التَكسِيرِ الذِي يَنتَهِي مُفرَدُهُ بِتَاءٍ مَبسُوطَةٍ، ومِثَالُه: أوقَاتٌ (مُفردُهَا وَقـتٌ)، وبناتٌ (مُفرَدُهَا بِنْتٌ).
تَنبِيهٌ: يَتوَهَّمُ عَددٌ مِن الكَاتِبِينَ أنِّ (أوقَاتاً) و(أبيَاتاً) مِن جَمعِ المؤنَّثِ السَّالِمِ؛ لانتهائِهِ بألفٍ وتاءٍ مبسوطَةٍ، وهُوَ خَطَأٌ في العَرَبِيَّةِ؛ ذَلِكَ أنَّ الألِفَ والتَّاءَ فِي جَمعِ المؤنَّثِ السَّالِمِ زَائِدَتَانِ، أمَّا التَّاءُ هُنا فَهِي مِن أصلِ الكَلِمَةِ، وَلَوُ جَاز جَمعُ (وَقتٍ) جَمعَ سَلَامَةٍ لَكَانَت: (وقتَاتٍ).
وأمَّا كِتَابَةُ التَّاءِ المَبسُوطَةِ فِي الأَفعَالِ فَعَلَى النَّحوِ التَّالِي:
- إذَا كَانَتْ مِن أصلِ الفِعلِ، وَمِثَالُها: مَاتَ، وَنَبَتَ، والتَفَتَ.
- إذَا كَانَتْ ضَميراً مُتَّصِلاً بِالفِعلِ، وَمِثَالُهَا: دَرَسْتُ، وَحَفِظتَ، وَنَجَحتِ.
- تاءُ التأنيثِ المتّصلةُ بالفعلِ، وَمِثَالُهَا: دَرَسَتْ، وَسَجَدتْ، وَصَامَتْ، واستَغفَرَتْ.

التدين المغشوش

مِن صُوَرِ التديُّنِ المغشوش،ِ القائمِ على رواسبِ الجهلِ، ومُخلَّفاتِ العاداتِ، ورديءِ الاهتماماتِ: البحثُ عَن اسمِ إبليسَ القديمِ، وكُنيةِ زوجتِه، وهل هو وَلودٌ أم بَيوضٌ؟ وعَددِ أولادهِ، وأسمائِهم، وأطوالِهم، ولونِ بشرتِهم، وما يُحبُّ وما يكرهُ من الألبسة، والأطعمة، والألوان، والروائح، ومتى ينام؟ والتمييزُ بينَ عدُوِّه وصديقِهِ من الطيورِ والزواحفِ، ثم ترتيبُ أحكامٍ ساذجةٍ على ذلك؛ كوجوبِ المسارعةِ إلى طيّ الملابس حتّى لا يلبَسَها الشيطانُ، وحُرمةِ تركِ سجّادةِ الصّلاةِ على الأرض؛ مخافة أن يصلّيَ عليها، والبعدِ عن الأحمر من الثياب خشيةَ أن  يشاركنا الشيطان لُبسَها، واستحبابِ أكل الرُّمّانِ، وخلطِ الطعامِ بالزعفران، ونحو ذلك!!
كل ما سبقَ ذِكرُه من (فقهِ العواجيزِ) ليس عليه دليلٌ من صريحِ الكتابِ، ولا صحيحِ السنَّةِ، فضلاً عن مخالفتِه للعقول السليمةِ، والفِطَرِ المستقيمةِ، كما أنَ جُلَّهُ لا يزيّنُه علمٌ نافعٌ، ولا يترتّبُ عليه عملٌ صالحٌ..
إنَ من أهم الوصايا النبوية في هذا البابِ قولهُ ﷺ (اِحْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ، وَلَا تَعْجَزْ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، فالأولَى بالعاقلِ أن يجعلَ سؤالَه عما يجب لِربّهِ عليهِ من حقوقٍ، وفِيما يُعَينُه على القيامِ بواجبِ الإصلاحِ والخلافةِ في الأرضِ، ولا يليقُ بِه تضييعُ عُمُرِه في سفاسفَ، أخفُّ ما يمكنُ أن يُقالَ فيها: إنّ العلمَ بها لا ينفعُ، والجهلَ بها لا يضرُّ.

الثلاثاء، 7 يونيو 2016

الثلاثون حديثا الرمضانية - الحديث الثاني

الحديث الثاني:
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) متفقٌ عليه: البخاري برقم 1957، ومسلم برقم 1098، وعَنْ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ وَدَاعٍ رضيَ اللهُ عنهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (عَجَّلُوا الْإِفْطَارَ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم 395، وصحَّحه الألبانيُّ في صحيح الجامع الصغير برقم 3989.
فقه الحديث:
يرشدُ الحديثانِ الصَّائمينَ إلى سُنَّةِ تعجيلِ الفطرِ، وتأخيرِ السحور، ويدلانِ على أنَّ تعجيلَ الفطرِ، وتأخير السحورِ علامةٌ من علاماتِ خيريةِ أمةِ الإسلام، وبقاء أبنائِها في سَعةٍ من أمرهم، ويسرٍ في دينهم.
وسرُّ الخَيريةِ في ذلكَ هو اتباعُ الهَدي النبويِّ، ولو كانَ فِي سنةٍ يَسيرةٍ تتعلَّقُ بالطعامِ والشَّرابِ، الذي هو أصلُه من العاداتِ، وفِي حديثِ سهلٍ إشارةٌ إلى أنَّ فسادَ أمور الناسِ يتعلَّقُ بتغيُّرِ هذه السُّنةِ، التي هي تعجيلُ الفطرِ، وأن تأخيره، ومخالفةَ السُّنَّةِ في ذلكَ علامةٌ عَلَى فسادِ الأُمور (المعلم بفوائد مسلمٍ للمازري: 2/47).
كما أنَّ تعجيل الفطر وتأخير السحور فيهما مخالفة لليهود وأهل الأهواء، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ) أخرجه الترمذيُّ في سننه برقم 1698ن وصححه الألبانيُّ في صحيح الجامع صغير برقم 7689.
قال العلامةُ السنديُّ رحمه الله: " قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الْيَهُودَ إِلَخْ) تَعْلِيلٌ لِمَا ذُكِرَ بِأَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً لِأَعْدَاءِ اللَّهِ، فَمَا دَامَ النَّاسُ يُرَاعُونَ مُخَالَفَةَ أَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى يَنْصُرُهُمُ اللَّهُ وَيُظْهِرُ دِينَهُمْ (حاشية السندي: 1/519).
وتعجيل الفطر وتأخير السحور كان عادةَ الصحابةِ رضي الله عنهم، فعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ الْأَوْدِيِّ قَالَ: "كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَ النَّاسِ إفْطَارًا وَأَبْطَأَهُمْ سُحُورًا" (نيل الأوطار للشوكاني: 4/260).
تنبيه:
إنَّ سنةَ تعجيل الفطر محلُّها أن يتيقنَ العبدُ دخولَ وقت المغربِ؛ بمشاهدة غروب الشمس، أو خبرِ من يثِقُ بِه ِمِن أهلِ العدلِ، ولا يجوزُ الفطرُ قبلَ دخولِ الوقتِ بذريعةِ تحقيقِ سنَّةِ تعجيل الفطرِ، فإنَّ هذا من عمل الجهلة الذي لا فقه لهم في دين اللهِ، وكذلك الحالُ في تأخير السحور، شرطه إلا يكونَ بعد دخول وقت الفجر.
قال الصنعانيُّ: "وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ بِالرُّؤْيَةِ، أَوْ بِإِخْبَارِ مَنْ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْعِلَّةَ وَهِيَ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.. وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُزَادُ فِي النَّهَارِ مِنْ اللَّيْلِ، وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالصَّائِمِ، وَأَقْوَى لَهُ عَلَى الْعِبَادَةِ" (سبل السلام: 1/563).

الثلاثون حديثا الرمضانية - الحديث الأول

الحديث الأول:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَاكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ). أخرجهُ النسائيُّ فِي سننِه برقم (2106)، وصحَّحهُ الألبانيُّ فِي صَحيحِ الجامِعِ الصَّغِيرِ برقم (55).
قولِه: (تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ) أي أبوابُ الجنَّةِ، فقد جاء في روايةِ أحمدَ (تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ) (أخرجه أحمد في مسنده برقم 7148)، ومَعلومٌ أنَّ جنَّةَ المأوَى فوقَ السماءِ السَّابعَة، وسقفُها تحتَ عرشِ الرحمنِ جلَّ جلالُه (لوامع الأنوار للسفاريني: 2/237)، فإذَا كانتْ أبوابُ الجنةِ مفتوحةً في رمضان؛ لزِم من ذلك أن تكون أبواب السماء مفتوحةً كذلك.
قوله: (وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ) الماردُ من الشياطين: هو المتمردُ العاتِي الشَّدِيدُ (النهاية لابن الأثير: 4/315)، والمُراد من الحديث: أنَّ الله تعالى يعصم المسلمين أو أكثرهم في رمضان من المعاصي، فلا يخلص إليهم الشيطان فيه كما كانوا يخلص إليهم في سائر السنة. (التمهيد لابن عبد البر 16/153).
فإن قيل: إذا سُلسِلَت الشياطينُ في رمضانَ وصُفِّدَتْ؛ فكيفَ تقعُ المَعاصِي مِن العِباد في رمضانَ؟
فالجواب عن ذلك ملخصه أن المعاصي تقعُ من العبادِ بمَيلِ الطَّبعِ إلى الشهوات المحرَّمَةِ، وليسَ للشيطانِ حظٌّ إلا التزيينُ والتحريضُ، وإذا بَعُدَ المُحَرِّضُ عَن المِقَدامِ لَم يَبْطُلْ إِقدَامُهُ. (كشف المشكل لابن الجوزي 3/409).
وقوله: (لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) هذه الليلةُ هي ليلةُ القدرِ التي أنزل فيها القرآنُ، وفضلُها عند الله عظيمٌ، فهي ليلةٌ واحدةٌ في وقتها؛ لكنَّ العبَادَة فِيهَا خيرٌ عندَ اللهِ تعالَى مِن عبادةِ ألفِ شهرٍ سواهَا، فالعبدُ إذا أدركها، واجتهد فيها؛ حصَّلَ خيراً عظيماً، وثواباً عميماً من الله تعالى، ومَن حُرِمَ هذا الخير كانَ محروماً مغبوناً، فإنَّ ألفَ شهرٍ تنيفُ عن ثمانينَ سنةً، وقَد جاءَ في روايةِ أنسٍ رضي الله عنه: (ولا يحرَمُ خَيْرها إلا كلُّ محرومٍ). (أخرجه ابن ماجه في سننه برقم 1964).
وبالجملةِ فالحديثُ يسوقُ للمسلمينَ سِتَّ بشاراتٍ خَصَّهم اللهُ تعَالَى بِهَا فِي شَهر رمضَانَ، فقد جعلَهُ مُباركاً عليهم، وخصَّهُ بفرضيةِ الصَّيام، التي سيدةُ العبادات، وعبادةُ السادات، كمَا فتح لهم فيه أبوابَ الجنَّةِ، وأغلق دونهم أبواب الجحيمِ، وسلسلَ الشياطينَ، وصفَّدها فلا تقوى على الوسوسَة والإفسادِ، كما كانت في غير رمضان، وحباهُم بليلةِ القَدرِ التِي هي أعظمُ عندَ اللهِ تعالَى مِن ثلاثينَ ألفَ ليلةٍ سواها.

الخميس، 26 مايو 2016

حكم دفع الزكاة للمتسولين الذن يجهل حالهم

حكم دفع زكاة المال للمتسولين
السؤال: أنا صاحبُ محلٍّ تجاريٍّ، وأُخرج زكاةَ مالِي كلَّ عامٍ في شهرِ رمضان، وعادةً ما يتردَّدُ المتسولُونَ على المحلِّ لطلبِ الصَّدقةِ، وأنا لا أعرفهم وأجهل حالهم؛ فهل يجوز لي أن أعطيَهُم من زكاة مالي ؟
الجواب: الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله، وبعد...
اعلم أنَّ القرآنَ الكريمَ قد حدَّدَ الأصنافَ التي يجوزُ صَرْفُ الزَّكاةِ إليها، وهِيَ محصورةٌ ثمانيةٌ وردت في قول الله تعالى:
{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } ( سورة التوبة، الآية 60 ).
وتفصيلها على النحو التالي:
1. الفقراء: والفقير هو من ليس له مالٌ ولا كسبٌ حلالٌ يليقُ به، ويحقِّقُ كفايته من مطعم ومشرب وملبس ومسكن، كمن يحتاج إلى خمسة دنانير يومياً، ولا يجد شيئاً من ذلك.
2. المساكين: والمسكين الذي يستحق الزكاة هو الذي يملك قوت يومه؛ ولكن لا يكفيه؛ كمن يحتاج إلى خمسة دنانير يومياً، ولا يجد إلا ثلاثةً فقط.
3. العاملون عليها: أي الموظفون الذي يعملون على جمعِ الزَّكوات وحسابِها وتقسِيمها، وهؤلاء يستحقون منها مقابل عملهم بضوابط، والدولة هي التي تعطيهم من الزكاة، وليس لآحاد الناس أن يقوم بذلك.
4. المؤلفة قلوبهم: ممن أسلموا حديثاً، أو كان إيمانهم ضعيفاً؛ فيعطون من الزكاة ليثبت إسلامهم، أو يسلم أمثالهم، أو يذبوا عن المسلمين، وفي إعطائهم من الزكاة تفصيلٌ وخلافٌ، والتقديرُ في ذلك يرجعُ للإمام، ولا يجوز لآحاد الناس أن يعطيهم من الزكوات؛ لأنَّ تقديرَ المصلحةِ في مثلِ هذه الحالات راجعٌ للسلطان.
5. في الرقاب: أي يجوز صرف الزكاة في فك رقاب العبيد ( الرقيق ) إذا أرادوا تخليص أنفسهم من ( الرِّق ) بدفع المال لأسيادهم، وهو ما يسمَّى بالمكاتبة، فندفع لهم من الزكاة لنُساعدَهم على تحرير أنفسِهم.
6. الغارمون: والغارم هو الذي وقع في غُرمٍ حالٍّ للناس عليه، ولم يستطع الوفاء بسبب جائحةٍ أصابت ماله، أو كسادِ تجارته، بشرط أن يكون ذلك في غيرِ معصيةٍ، وألا يكون له مالٌ يسدد ما عليه منه، كما يدخل في الغارمين من استدان لإصلاح ذات البين ولو كان غنياً.
7. في سبيل الله: يجوز إنفاق زكاة المال في الجهاد في سبيل الله، ومن أجل الإعداد له، كما يجوز الإنفاق على القائمين على الجهاد والمنشغلين به إذا لم يكن لهم مصدر رزقٍ آخر.
8. ابن السبيل: وهو المسافر الذي انقطع به السفر، وليس معه من النفقة ما يكفيه لسفره، فيعطى من الزكاة ما يُبلِّغُه مقصدَه، بشرط إلا يكون مسافراً لارتكاب معصيةٍ.
واعلم أنَّ الزَّكاة منحصرةٌ في هذه الأصناف دون غيرها علَى تفصيلٍ فيها عند الفقهاء، بشرط أن يكون المُعطى منها مُسلماً، وألاَّ يكون من بني هاشم أو عبد المطَّلب؛ لأنَّ الزكاة حرامٌ على آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.
فإذا علمت ذلك؛ ظهر لك أنَّ (التَّسوُّلَ) ليس مصرفاً من مصارف الزكاة، وهو وحده ليس سبباً كافياً لإعطاء صاحبه شيئاً من زكاة المال؛ إلاَّ إذا كان المتسول فقيراً أو مسكيناً فإنه يُعطَى من الزكاة لفقره لا لتسوله.
إضافةً إلى ذلك؛ فقد ظهر في الآونة الأخيرة بعض الناس الذين صار التسول لهم مهنةً يتكسبون منها، مع أنهم قادرون على الكسب، أو أغنياءٌ يجب عليهم إخراج الزكاة.
وعليه فلا يجوز دفع زكاة المال للمتسولين الذين يُجهل حالهم؛ لأنَّ الأصل عدم استحقاقهم الزكاة، ومن دفع زكاة ماله لمتسولٍ وهو يجهل حاله؛ فإنَّ ذلك لا يجزئه، وعليه أن يخرج الزكاة مرةً أخرى.
وأما قوله تعالى: { وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } ( سورة الذاريات، الآية 19 )، فإنَّ المراد بالسائل في الآية هو المحتاج معروف الحال، أو أنَّ الآية محمولةٌ على الصدقة المندوبة، وفيها تفسيرات أخرى ذكرها العلماء.
فيجوز لك والحالة هذه أن تعطي المتسول من حُرِّ مالكَ صدقةً مندوبةً، وتثاب عليها إن شاء الله تعالى، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

وكتبه/ محمد سليمان الفرا

الثلاثاء، 24 مايو 2016

من هو الدعي؟


مَن هو الدَّعيُّ؟
شاعَ فِي كلامِ العربِ الذمُّ والهجاءُ بلَفظِ (الدَّعيِّ)، ومِن معانيهَا المُشتهرةِ عندهُم: (المتَّهمُ فِي نَسَبِهِ)، و(المنتَسِبُ إلَى غَيرِ أَبِيهِ)، وفِي ذلكَ طعنٌ فِي الأنسَابِ، وتعريضٌ بالقذفِ، واتهامٌ بالفاحشَةِ، وقَد ثبتَ فِي ديننَا النَّهيُ عَن قذفِ الأعراضِ، والطَّعنِ فِي الأنسابِ، فعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضِيَ اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ) أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
لكنْ ممَّا يؤلمُ اليومَ انبراءُ بعضِ حدثاءِ الأسنانِ إلَى المُسارعَةِ فِي امتطاءِ هذِهِ الكَلِمَةِ عندَ كلِّ نقاشٍ، بدعوَى الذَّبِّ عَن الحقِّ، والدفاعِ عَن أهلِهِ، فكلُّ مَن خالفَهُم دعيٌّ شقيٌّ، ومَن وافقَ مَا يحبونَ هو الحسيبُ النسيبُ التقيُّ!
وتلكَ لعمرُ اللهِ طامةٌ كبرَى، وآفةٌ عُظمَى، فلا الحقُّ يُدَافَعُ عَنهُ بالسبابِ والشتمِ، ولا الباطلُ يُدْحَضُ بالقذفِ والطّعنِ، ولا ينبرِي أحدٌ للدفاعِ عَن الحقِّ، فيعترِي كلامَهُ الهَذَرُ والشَّتْمُ إلا كَان مُبْطِلاً، فإنَّ مِمَّا اتفقتْ عليهِ الشرائعُ كلُّها بَعدَ التوحيدِ حسنَ الخُلُقِ.
ولذلكَ قالَ السلفُ: "إذَا رأيتَ الرجلَ يدافعُ عَن الحقِّ فيشتمُ، ويسبُّ، ويغضبُ، فاعلمْ أنّهُ معلولُ النيَّةِ؛ لأنَّ الحقَّ لا يحتاجُ إلَى هذَا، يكفَي الحقَّ أن تصدَحَ بِهِ، حتَّى يُستجَابَ لَهُ".
نسألُ اللهَ الهدايةَ

دروشة فارغة

#دروشة_فارغة
لا زال عدد من رواد العالم الأزرق تستهويهم صور حبات البطاطس التي ظهر عليها اسم النبي الكريم، وآذان الماعز التي نقشت عليها صورة البيت العتيق، وينخدعون بمقطع مرئي تم عرضه مقلوبا، ليخدع الناس بدجاجة يخيل إليهم أنها تكتب لفظ الجلالة بحبات القمح على الأرض!!
معاشر الدراويش الأتقياء...
إن هذا ليس من التقوى في شيء، فالتفاعل والانفعال والإعجاب والمشاركة والتعليق على مثل هذه الصور والمقاطع لا يزيدنا إيمانا، وإغفالها لا يلزم منه قسوة القلب، إنما يزيد الإيمان بالطاعة المتضمنة للقيام بواجب الخلافة في الأرض، وإلا فلن تغني عنا بطاطتنا ولا بيضنا ولا جزرنا ولا دجاجنا من الله شيئا!!!
وكتبه محمد سليمان الفرا

وليس الله من وراء القصد

وليس الله من وراء القصد!
استَحضَرَ النيَّةَ، وجلَسَ إلَى حاسُوبِهِ المَحمُولِ، ثم استجمَعَ أفكَارَهُ، وعَصَرَ ذهنَهُ، وراحَتْ أصابعُهُ تدُوسُ لوحَةَ المفاتِيحِ بِكُلِّ خِفَّةٍ وسَلاسَةٍ، يكتبُ مُتحفِّزاً كأنَّه يُناظِرُ مُلحِداً، أو يُحَاوِرُ شَيطَاناً مَريداً، وقَد جَمَعَ مِن ألفَاظِ السبِّ أقذَعَهَا، ومن بذِيء الشَّتَائِمِ أشدَّهَا، ناهيكَ عَن عباراتِ التَّفسيقِ والتَّبدِيعِ والتَّخوينِ... والتَّكفيرِ!!، كل ذلكَ فِي مَسائلَ لا تتعلَّقُ بأصولِ الدينِ، بلْ تتَّصِلُ بمَا وَقَعَ فيهِ الخِلافُ مِن فروعِهِ، ممّا كانَ للسَّابقِينَ مِن ثِقاةِ أهلِ العلمِ نقاشٌ فيهِ ومراجعاتٌ.. ثم اختتَمَ مقَالَهُ بِقولِهِ: (واللهُ مِن ورَاءِ القَصدِ)!!!
يَا هذَا..
أينَ اللهُ مِن قصدِكَ؟
ومتَى تعبَّدنَا اللهُ بالبذَاءَةِ والوقوعِ فِي أعراضِ الناسِ؟
وهلْ مِن مقاصِدِ الشَّرعِ سَبُّ النّاسِ وتسفِيهُ كلِ مَن خَالفَ هَواكَ؟
يَا مِسكين.. كان ينبغِي أنْ تكتبَ فِي نهايَةِ سبابِكَ: (وليسَ اللهُ مِن وَراءِ القصدِ! إنَّما هُوَ الانتصارُ للهَوى، والبحثُ عَن حَظّ النفسِ، وتبديعُ المُخالِف، ولو كَانَ عَلَى حَقٍّ!).
أيُّهَا الكاتِبُونَ مَهلاً.. فلقَد بلَغَنَا عَن بعضِ السَّلفِ قولُهُم: "إذَا رأيتَ الرَّجُلَ يُدافِعُ عَن الحقِّ، فيَشْتُمُ، ويسُبُّ، ويغضَبُ، فاعلَمْ أنَّهُ معلُولُ النّيَّةِ؛ لأنَّ الحقَّ لا يحتاجُ إلَى هَذَا، يكفِي الحَقَّ أنْ تَصْدَحَ بِهِ، حتَّى يُستَجَابَ لَهُ"، وقَد عَلِمنَا مِن سُنَّةِ نَبِيِّنَا أنَّ المؤمنَ ليسَ طَعَّاناً ولا لعَّاناً ولا فَاحِشاً ولا بَذِيئاً..
والله من وراء القصد.