الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

إتحاف الكرماء بفضائل شهر الله المحرم وأحكام عاشوراء

بسم الله الرحمن الرحيم

إتحاف الكرماء بفضائل شهر الله المحرم وأحكام عاشوراء

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين، وبعد...

1.  مكانة شهر محرم في الإسلام:

شهر الله المحرم له في الإسلام حرمة وفضل:
أما حرمته فلأنه من الأشهر الأربعة الحرم، التي قال الله تعالى عنها: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } (سورة التوبة، الآية 36 ).
وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حَجِّتِه، فقال: ( ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض؛ السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر بين جمادى وشعبان ) متفق عليه.
وظلم النفس منهيٌّ عنه في كلِّ زمانٍ، لكن خصَّ الله الأشهر الحرم بالذكر، ونهى عن الظلم فيها تشريفاً لها، وتعظيماً لمكانتها، ذلك أن العمل الصالح فيها مضاعف؛ فكذلك المعاصي إذا تركبت فيها تكون مضاعفة.
ومما على شاكلة ذلك قوله تعالى عن الحج: { فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } ( سورة البقرة: من الآية 197 )، مع أنَّ الفسوق والجدال منهيٌ عنهما في غير الحج كذلك.
وأما فضله فيدل له ما أخرجَه مسلمٌ في صحيحهِ عن أبِي هريرةَ " أن رسولَ اللهِ r قال: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاَةُ اللَّيْلِ)، فصيام شهر الله المحرم يأتي في المرتبة الثانية بعد صيام شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن.
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم محرم بشهر الله، وإضافته إلى الله تدل على شرفه وفضله، ذلك أن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته وعباده.
ولذلك قال الحسن البصري: إن الله افتتح السنة بشهر حرام وختمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان أعظم عند الله من المحرم، وكان يسمى شهر الله الأصم من شدة تحريمه.

2.   فضل يوم عاشوراء ودلالاته التاريخية والحضارية.

يُوافقُ يومُ ( عاشوراء ) اليومَ العاشرَ من شهرِ مُحَرَّم، ويُقالُ لليومِ الذي يسبقُه ( تاسوعاء )، وهو يوم فضيل؛ لما أخرجَ مسلمٌ في صحيحهِ عن أبِي قتادةَ " أن النبي r قال: (وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ)، فصيامُ يوم عاشوراء يُكفِّرُ ذنوبَ السنةِ الماضيةِ كاملةً، بشرطِ اجتنابِ الكبائرِ، وردِّ حقوقِ العبادِ لأصحابِها.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( مَا عَلِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ يَبْتَغِي فَضْلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلَّا هَذَا الْيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ )، وأصله في البخاري.
ويومُ عاشوراء له دلالاتٌ تاريخيةٌ وحضاريةٌ كبرى؛ فهو علامةٌ فارقة بين الإيمان والكفر، ومبشرٌ من مبشرات انتصار الحق وأهله، واندحار الباطل وحزبه؛ حيث أنجى الله فيه موسى عليه السلام وقومه من فرعون وملئه، وأغرقه في اليم وجنوده أجمعين، ولذلك كانت اليهود تصومه.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياماً يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا اليوم الذي تصومونه ؟ فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكراً، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه ) متفق عليه، وعند الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( وهو اليوم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكراً ) وفي إسناده ضعف.

3.    حكم صيام عاشوراء ومراتب صيامه:

صيامُ يومِ عاشوراء سنةٌ عن النبي r، ويُستحبُّ لِمن أراد صيامَه أن يصومَ معه اليومَ التاسعَ مُخالفةً لليهودِ الذين يكتفون بصيامِ العاشرِ، فقد أخرج مسلمٌ في صحيحِه عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ م قال: (صَامَ رَسُولُ اللَّهِ < يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ؛ فقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ <: فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ)، وقد جعل العلماء لصيامه مراتب:
الأولى: صيام اليوم التاسع والعاشر، وهي أفضل المراتب؛ لحديث ابن عباس وفي رواياته ( لئن بقيت إلى قابلٍ لأصومنَّ التاسع والعاشر )، ولذلك قال ابن عباس: ( صُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ ).
الثانية: صيام اليوم العاشر والحادي عشر؛ لحديث ابن عباس مرفوعاً: ( خالفوا اليهود صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده )، أخرجه أحمد وابن خزيمة، وفي إسناده ضعفٌ.
الثالثة: صيام اليوم التاسع والعاشر والحادي عشر؛ لحديث ابن عباس مرفوعاً: ( صوموا يوماً قبله ويوماً بعده ) والحديث إسناده ضعيف.
الرابعة: إفراد العاشر بالصيام ؛ لحديث أبي قتادة عند مسلم (وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ).
والخلاصة في ذلك أن الافضل للعبد في صيام عاشوراء أن يصوم معه التاسع اتباعاً للأثر، وله أن يصوم الحادي عشر بدلاً من التاسع تحقيقاً للمقصد وهو مخالفة اليهود، ومن شاء أن يصوم الثلاثة كان له ذلك، ومن صام عاشوراء منفرداً لا حرج عليه إن شاء الله تعالى.

4.      الحكمة من مشروعية صيام عاشوراء:

الحكمة من صيام يوم عاشوراء تتلخص في شكر نعمة الله تعالى علينا، وتذكر معية الله جلَّ وعلا ونصرته لعباده المؤمنين، ذلك أنه يوم نجَّى الله فيه موسى عليه السلام وقومه من فرعون وجنوده، فصامه موسى شكراً لله تعالى، وصامَه نبينا صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه كما جاء في حديث ابن عباس السابق، فنحن نقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
أما الحكمة في صيام يوم معه مخالفة اليهود في اقتصارهم على صيام العاشر؛ كما دلت عليه النصوص السابقة، والأمة الإسلامية متميزة عن غيرها من الأمم؛ فلا تكون تبعاً.
5.    هل يجب تبييتُ النية من الليل في صيام عاشوراء.
الأفضل في الصيام كله تبييت النية من الليل؛ لكنَّ صيام عاشوراء مندوبٌ وليس واجباً، وعليه فيجوز لِمَن لم يُبيِّت نيَّةَ صيامهِ مِن الليلِ أنْ ينويَ ذلكَ ما لَم يدخلْ الزَّوالُ، ويؤَذَّنَ للظُّهرِ، ما دامَ لم يِتناولْ أياًّ من المُفَطِّرات بعدَ أذانِ الفجرِ، والدليل على ذلك فعل النبي صلى الله عليه وسلم.

6.    إذا وافق يومُ عاشوراء يومَ الجمعة أو السبت فما حكم صيامه ؟

إذا وافقَ يومُ عاشوراء يومَ الجمُعةِ أو السبتِ؛ فلا حرجَ من إفراده بالصيامِ؛ لوجودِ السببِ المُقتضِي لذلكَ، بل يجوزُ صومُ السبتِ في عبادَة التطوعِ؛ فقد أخرجَ ابن حبَّان وغيره عن أمِّ سلمةَ ك قالتْ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَصُومُ يَوْمَ السَّبْتِ، وَيَوْمَ الْأَحَدِ، أَكْثَرَ مَا يَصُومُ مِنَ الْأَيَّامِ، وَيَقُولُ: إِنَّهُمَا يَوْمَا عِيدٍ لِلْمُشْرِكِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ) حسَّنه الألبَانيُّ.

7.      هل يجوز صيام اليوم العاشر من محرم بنية عاشوراء وقضاء أو كفارة ؟

لا يجوزُ لمَن أرادَ صيامَ عاشوراء أنْ يجمعَ في صيامِهِ بينَ نيَّةِ صيامِ الواجبِ؛ كالقضاءِ والكفارةِ، ونيَّة صيامِ عاشوراء؛ فكلُّ عبادةٍ مقصودةٌ لذاتِها، ولا تداخُلَ بين الصومِ الواجبِ والمندوبِ؛ لكنْ إذا وافقَ يومُ عاشوراء يوم الاثنينِ أو الخميس فلا حرجَ من إشراكِ النيَّةِ فيهِما.

8.       هل يجوز تقديم صيام عاشوراء على قضاء رمضان ؟ وأيهما أفضل ؟

يجوزُ لمَن كانَ عليهِ قضاءُ صيامٍ أو كفارةٌ أن يقدِّم صيامَ يومِ عاشوراء عليهما؛ لتحصيلِ ثوابِ صيامِ هذا اليومِ الفضيلِ، وقد كان الإمامُ الزهريُّ يصومُ عاشوراء في السَّفرِ، ويُفطرُ رمضانَ، فلَمَّا سُئِلَ عن ذلكَ قال: (جَعَلَ اللهُ لرَمَضانَ عِدَّةً مِن أيَّامٍ أُخَر، وليسَ ذلكَ لعَاشُورَاء)، وقت القضاء موسّعٌ بخلاف صيام عاشوراء فغنه من المندوبات المضيقة؛ ولكن أنصَحُ مَن كانَ عليهِ قضاءُ صيامٍ أو كفارةٌ أنْ يُسَارِعَ لصيامِ مَا وَجَبَ عليهِ؛ تبرئةً لذِمَّتِهِ مِن العِبَادَةِ، وإجلالاً لله تعالى بالمسارعة إلى أداء ما افترض عليه.

9.    بعض آداب ومستحبات صيام عاشوراء:

يُستحبُ تصويمُ الأطفالِ المُميِّزينَ في يومِ عاشوراء إذا كانوا يُطيقونَ ذلك؛ تعويداً لهم على العباداتِ والنوافلِ، ولأنَّ الصحابةَ رضي الله تعالى كانُوا يفعلونَه مع صبيانهم.
كما يثبتُ لصيامِ عاشوراء من المستحبَّاتِ ما يثبتُ لرمضانُ؛ مثل تأخيرِ السَّحورِ، وتعجيلِ الفِطرِ على الرطب أو التمر مع الماءِ، وكذلكَ من أكلَ أو شَرِبَ ناسيًا أكمَلَ صَومَه؛ فإنَّما أَطعَمَهُ اللهُ وسقَاهُ.
ويُستحبُّ الإكثارُ منَ الطاعاتِ في شهرِ محرم، وأهمُّها الصيامُ، لحديثِ أبي هريرة السابق: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ)، وخاصَّةً ما كانَ فِي الأيامِ العشرَةِ الأوائلِ مِنْه؛ ذلك أنَّها أعظمُها لاشتمالِها علَى يومِ عاشوراء، وقد كانَ السَّلفُ الصَّالحُ يُعظمونَ هذه الأيامَ، ولكنْ لا يُشرَعُ تخصيصُ العشرةِ الأوائلِ منْ شهرِ مُحرَّم بالصيام؛ لأنَّ ذلك لم يثبتْ عن النَّبِيِّ r، ولم يُنقلْ عن أحدٍ من السلفِ الصالحِ.

محمد سليمان نصر الله الفرا
قطاع غزة - فلسطين

الأربعاء، 8 أكتوبر 2014

قُرَّةُ العُيُونِ فِي أحْكَامِ زكاةِ الزَّيتونِ

بسم الله الرحمن الرحيم
قُرَّةُ العُيُونِ فِي أحْكَامِ زكاةِ الزَّيتونِ
محمد سليمان نصر الله الفرا
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى المبعوثِ رحمةً للعالمينَ، وبعدُ...
فإنَّ الزَّكاةَ رُكنٌ مِن أركانِ الإسْلامِ الخَمْسَةِ, فرَضَهَا اللهُ جلَّ وعلَا فِي أموالِ المؤمنينَ، تُؤخذُ مِن أغنيائِهم، وتُعطَى لفقرائِهم, وقَرَنَ بينَها وبينَ الصَّلاةِ فِي عشَراتِ الآيَاتِ؛ تأكيداً علَى وُجُوبِهَا وأهمِّيتِهَا، ومَن أنكرَ وجوبَ الزكاةِ كانَ كافراً خارجاً عَن الملَّةِ, ومَن منَعَها بُخلاً وشُحًّا فهُوَ فاسقٌ آثمٌ؛ ينالُهُ شديدُ العقابِ فِي الآخرةِ, وتُؤخذُ مِنهُ قهراً فِي الدُّنيَا، وللزَّكاةِ حِكَمٌ كثيرةٌ، مِنهَا بثُّ رُوحِ التكافلِ بينَ المُسلمينَ، وتزكِيَةُ النُّفُوسِ، وتطهِيرُ الأَمْوَالِ، قالَ تعالىَ: )خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا( (التوبة: 103).
وتَجِبُ الزكاةُ فِي أصنافٍ مُعَيَّنَةٍ مِن المالِ، المُجمَعُ عليهِ منهَا هُو: الذهبُ والفضةُ، وسائرُ النقودِ، والأنعامُ السَّائمةُ، وعُروضُ التِّجارةِ، والمعادنُ والرِّكازُ، والزروعُ والثمارُ، وقدْ اقتصرنَا فِي هذِه الفتوَى علَى بيانِ أحكامِ الزَّكاةِ فِي الزَّيتُونِ؛ لمَسيسِ الحَاجةِ إلَى مَعرفتِها، خُصُوصاً فِي هذَا الوقتِ الذِي يَحينُ فيهِ جُذاذُ هذِهِ الثَّمرةِ المُبَاركَةِ, وإليكَ البيانَ فِي ثَمانِي نِقاطٍ:
1.  وُجوبُ الزَّكاةِ فِي الزَّيتونِ: تجِبُ الزكاةُ فِي الزَّيتونِ؛ لقولِ اللهِ تعالَى: {وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأنعام: 141)، فقدْ أَمَرت الآيةُ بإيتاءِ حقِّ الزَّيتونِ عَقِبَ حَصَادِهِ، وحَقُّهُ الزَّكاةُ، والأمرُ يُفِيدُ الوُجُوبَ، وإليهِ ذَهبَ الجُمهورُ مِن الحَنفيَّةِ والمالكيَّةِ، وهُو مذهبُ الشَّافعيِّ فِي القَديمِ، وروايةٌ عَن أحمَد، وهو المنقولُ عَن عَبد اللهِ بنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما، وعن جماعةٍ مِن الصَّحابةِ والتَّابِعِينَ.
2.      نِصَابُ زَكاةِ الزَّيتونِ: تَجِبُ الزَّكاةُ فِي ثَمَرةِ الزَّيتونِ، إذَا بلغَتْ نصاباً شرعياً، وقدرُهُ (خمسةُ أوسقٍ), وتعادلُ فِي زَمَانِنَا (612 كيلو جراماً)، فمَن بلغَ نَتاجُ ثمرةِ الزيتون عندهُ هذَا القَدْرَ (612 كيلو جراماً) وَجَبَ عليهِ أنْ يُخرِجَ زكاتَهُ, ومَن نَقُصَ ثمرُهُ عَن هذَا القَدْرِ فلَا زكاةَ عليهِ، لحديثِ أَبِي سعيدٍ الخدْريِّ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ) متفقٌ عليهِ.
3.  القدرُ الواجبُ فِي زَكاةِ الزَّيتُونِ: إذَا كَانَ شجرُ الزيتونِ يُسقَى بِماءِ المَطَرِ, أَو يَشربُ بِعُرُوقِهِ المُمتدَّةِ فِي الأَرضِ دونَ تكلفةٍ زائدةٍ، وهوَ البَعْلِيُّ، وَقَدْ بلَغَ ثمره نِصاباً؛ وَجَبَ علَى صَاحِبِه أَنْ يُخرِجَ عُشرَ نَتَاجِ ثَمَرِه (10%), وإذَا كانَ يُسقَى بِأُجرةٍ وتكلُفةٍ؛ فالواجبُ نصفُ العُشرِ (5 %), وإذا سُقيَ نصفَ حَاجَتِهِ بماءِ المَطَرِ، والنِّصْفَ الآخرَ بأُجرةٍ وتكلُفةٍ؛ فالواجبُ ثلاثةُ أرباعِ العُشرِ (7.5 %), وإذَا سُقيَ بأحدِهِما أكثرَ مِنَ الآخرِ فالحكمُ للأكثرِ؛ لحَديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهُما أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: (فِيْمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ) أخرجهُ البخاريُّ، والعَثَرِيُّ: هُو الشَّجَرُ الذِي يَشْربُ الماءَ بِعُرُوقِهِ المُمتدَّةِ فِي الأَرضِ، دونَ أنْ يَسقِيَهُ أحدٌ، وكأَنَّهُ يَعْثُرُ عَلَى المَاءِ بِنَفسِهِ، والنَّضْحُ: هُو نقلُ الماءِ إلَى المَزْروعَاتِ والمَغْروسَاتِ علَى الحيواناتِ، أو بالآلاتِ، وخراطيمِ المياهِ والتنقيطِ، وهُوَ مَا يُعرفُ عندِ العوامِّ بالتفتوف، ونحوِها.
4.  حُكْمُ خَصْمِ النَّفَقَاتِ: يجبُ علَى المُزكِّي أَنْ يُخرِجَ الزَّكاةَ عَن جَميعِ المَحْصُولِ, فلا تُخصَمُ النفقاتُ المتعلقةُ بِسَقْيِ الشجرِ مُطلقاً، فَقَدْ رُوعِيَتْ فِي المِقدَارِ الواجِبِ إخْراجُهُ، بِتَخْفِيفِه إلَى النِّصفِ, وأمَّا النفقاتُ المُتعلِّقةُ بِشِراءِ السَّمادِ والمُبيداتِ لِوقَايةِ المَحصُولِ مِن الآفاتِ، ومؤنَةِ الجُذاذِ والحَصادِ، فإنَّها تُخصَمُ مِنَ المَحصُولِ قبلَ حِسابِ النِّصَابِ، علَى الرَّاجحِ مِن أقوالِ أهلِ العِلم, ودليلُ ذلكَ قولُ ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا: (يَقْضِي مَا أَنْفَقَ عَلَى الثَّمَرَةِ، ثُمَّ يُزَكِّي مَا بَقِيَ) أخرجه البيهقيُّ، ولِمَا فِي ذَلكَ مِن تَخْفِيفٍ علَى المُزارِعِينَ. 
5.    كَيْفَ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ مِنَ الزَّيتُونِ: تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنَ الزَّيتُونِ زَيتاً إِذَا عَصَرَهُ، وهُوَ الأَفْضَلُ، وإذَا لَمْ يَعْصُرْهُ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ حَبًّا، وَمَن بَاعَهُ، وأَخْرَجَ الزَّكَاةَ نَقداً بِالقِيمَةِ فَلا حَرَجَ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللهُ.
6. حُكْمُ الزَّكَاةِ فِي الزَّيْتُونِ الَّذِي يُبَاعُ عَلَى شَجَرِهِ: لَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتُوِنِ علَى الشَّجَرِ (المُسَمَّى فِي بِلادِنَا بالضَّمَان) إلاَّ بَعدَ بُدُوِّ صَلاَحِهِ، واشتِدادِ حَبِّهِ، وتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي هذِهِ الحَالَةِ عَلَى المَالِكِ وَحْدَهُ؛ لأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ عِنْدَ انعِقَادِ الثَّمَرِ، وقَد انْعقَدَ عِنْدَ المَالِكِ؛ فَوَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِي حقِّهِ، وبِنَاءً عَلَيهِ فَيَجِبُ عَلَى المَالِكِ أنْ يَستَثْنِيَ مِقْدَارَ الزَّكَاةِ مِنَ الصَّفْقَةِ فلَا يَبِيعُهُ للمُشْتَرِي (الضَّامِنِ)، أوْ يُخْرِجَ زَكَاةَ زَيْتُوِنِهِ بِالقِيمَةِ.
7.   حُكْمُ زَكَاةِ الزَّيتُونِ المُشْتَرَكِ والمَغْرُوسِ فِي الأَرْضِ المُستَأْجَرَةِ: إذَا كَانَ شَجَرُ الزَّيتُونِ مُشتَرَكاً؛ فإنَّ ثَمَرهُ يُعدُّ مَالاً وَاحِداً، وتَجِبُ فِيهِ الزَّكاةُ، كَأنَّهُ لشخصٍ وَاحِدٍ، فَإذَا بَلَغَ النِّصَابَ قَبْلَ قِسْمَتِهِ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ؛ لِعُمُومِ قَولِه عَلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلَامُ: (لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ؛ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ) أخرجهُ أبو داود، فإذَا أَخَذَ كُلُّ وَاحدٍ نَصِيبَهُ مِنَ الثَّمَرِ أَخْرَجَ القَدْرَ الوَاجبَ حَسبَ حِصَّتِهِ، إلَّا إذَا اتَّفَقُوا عَلَى إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ قَبْلَ القِسْمَةِ وَهُوَ أَوْلَى، وَإذَا اسْتَأجَرَ الشَّخْصُ أَرْضاً فَغَرَسَهَا زَيْتُوناً؛ فَإنَّ زَكَاةَ الثَّمَرِ تَجِبُ عَلَيْهِ دُونَ مَالكِ الأّرْضِ؛ لأنَّ الثَّمرَ لهُ، لَا لِصاحبِ الأَرْضِ.
8.   مَصَارِفُ زَكَاةِ الزَّيتُونِ: تُصْرفُ زَكَاةُ الزَّيتُونِ فِي الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الوَارِدَةِ فِي قولِه تَعالَى: )إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ( سورة التوبة: 60, ولا تُعطَى الزَّكَاةُ للأُصُولِ؛ كَالأبِ والأُمِّ، والجَدِّ والجَدَّةِ, ولا تُعطَى للفُرُوعِ؛ كَالأبنَاءِ وأبنَائِهِم، ذُكوراً كَانُوا أَو إِنَاثاً, ويَجُوزُ إِعْطَاؤُهَا للإِخْوَةِ والأَخَوَاتِ، مَا لَم يَكُونُوا فِي كَفَالَتِهِ، وتَجِبُ نَفَقَتُهُم عَلَيْهِ، وتُعْطَى الزَّكاةُ لأزِواجِ البَنَاتِ، وأَزْواجِ الأَخَواتِ، وسَائِرِ الأقَارِبِ، بِشَرطِ أنْ يَكُونُوا مُحْتَاجِينَ، وهِي حالئذٍ صَدَقَةٌ وصِلَةُ رَحِمٍ، فَيَكُونُ ثَوابُها أَعْظَمَ عِندَ اللهِ تَعَالَى.
واللهُ تعالَى أعلمُ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ علَى نبيِّنا محمدٍ، وعلَى أزْواجِهِ وآلِهِ الطَّاهِرينَ وأَصْحَابِهِ المَيَامِين أجمعينَ

إتحافُ الكِرامِ الأخيارِ بأحكامِ زكاةِ الزُّروعِ والثِّمارِ

بسم الله الرحمن الرحيم
إتحافُ الكِرامِ الأخيارِ بأحكامِ زكاةِ الزُّروعِ والثِّمارِ
محمد سليمان نصر الله الفرا
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى المبعوثِ رحمةً للعالمينَ، وبعدُ...
فإنَّ الزَّكاةَ رُكنٌ مِن أركانِ الإسْلامِ الخَمْسَةِ, فرضَهَا اللهُ جلَّ وعلَا فِي أموالِ المؤمنينَ، تُؤخذُ مِن أغنيائِهم، وتُعطَى لفقرائِهم, وقَرَنَ بينَها وبينَ الصَّلاةِ فِي عشَراتِ الآيَاتِ؛ تأكيداً علَى وُجُوبِهَا وأهمِّيتِهَا، ومَن أنكرَ وجوبَ الزكاةِ كانَ كافراً خارجاً عَن الملَّةِ, ومَن منَعَها بُخلاً وشُحًّا فهُوَ فاسقٌ آثمٌ بارتكابِ إحدَى الكبائرِ، ولذَا فإنَّهُ ينالُهُ شديدُ العقابِ فِي الآخرةِ, وتُؤخذُ مِنهُ قهراً فِي الدُّنيَا.
وللزَّكاةِ حِكَمٌ متعدِّدةٌ، مِنهَا بثُّ رُوحِ التكافلِ بينَ المسلمينَ، وتزكِيَةُ النَّفسِ، وتطهِيرُ المالِ، قالَ تعالىَ: )خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا( التوبة: 103.
وتَجِبُ الزكاةُ فِي أصنافٍ مُعَيَّنَةٍ مِن المالِ، المُجمَعُ عليهِ منهَا: الذهبُ والفضةُ، وسائرُ النقودِ، والأنعامُ السَّائمةُ، وعُروضُ التِّجارةِ، والمعادنُ والرِّكازُ، والزروعُ والثمارُ، وقدْ اقتصرنَا فِي هذِه الفتوَى علَى بيانِ أحكامِ الزكاةِ فِي الزروعِ والثمارِ؛ لمَسيسِ الحاجةِ إلَى معرفتِها، خصوصاً فِي هذَا الوقتِ الذِي يحينُ فيهِ حصادُ القمحِ والشَّعيرِ, وإليكَ البيانُ فِي تسعِ نقاطٍ:
1.      تجِبُ الزكاةُ فِي الزروعِ والثمارِ فيمَا يصلحُ أن يكونَ قوتاً يعيشُ بِه الإنسانُ, ويُمكنُ ادِّخارُه بحيثُ لَا يَفسُدُ معَ مُرورِ الزَّمنِ, وذلكَ كثمرِ النّْخلِ والعنبِ, وكالقمحِ والشَّعيرِ والذُّرةِ والأرزِّ والعَدَسِ والحِمَّصِ والفولِ واللوبياءِ والبازلاءِ، وغيرِها مِن الحُبوبِ التِي تَصْلُحُ طَعَاماً أساسيًّا للناسِ، ويُمكنُ تخزينُها حالَ جفافِها, فهذِه تجبُ فيهَا الزَّكاةُ, ويلحقُ بهَا الزيتونُ، ففيهِ الزكاةُ علَى الراجحِ مِن أقوالِ أهلِ العلمِ.
2.      تجِبُ الزَّكاةُ فِي الزروعِ والثِّمارِ إذَا بلغَتْ نصاباً شرعياً وقدرُهُ (خمسةُ أوسقٍ), وتعادلُ في زماننا (612 كيلو جراماً)، فمَن بلغَ نَتاجُ زرعِهِ أو ثَمَرِهِ هذَا القَدْرَ (612 كيلو جراماً) وَجَبَ عليهِ أنْ يُخرِجَ زكاتَهُ, ومَن نَقُصَ زرعُهُ أو ثمرُهُ عَن هذَا القَدْرِ فلَا زكاةَ عليهِ، لحديثِ أَبِي سعيدٍ الخدْريِّ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ) متفقٌ عليهِ، أمَّا مَا يَبقَى فِي قِشرهِ الذِي لَا يُؤْكَلُ، ويُباعُ مَعَهُ كَأكوازِ الذُّرَةِ، وقُرُونِ البازِلَّاءِ فِي بلادِنَا؛ فإنَّ مَا لَا يُؤْكَلُ مِن القِشْرِ ونَحْوِهِ لَا يُحسَبُ فِي النِّصَابِ، وعلَيْهِ فيُقدِّرُ المُزَارِعُ نِصَابَ المَحْصُولِ المُصفَّى تَقدِيراً، بِخَصْمِ الثُّلُثِ أَو النِّصْفِ مَثَلاً.
3.      القدرُ الواجبُ فِي الزكاةِ: إذَا كانَ الزرعُ أو الثَّمَرُ يُسقَى بماءِ المَطَرِ, أو يَشربُ بعروقِهِ المُمتدَّةِ فِي الأرضِ دونَ تكلفةٍ زائدةٍ، وهوَ البعليُّ، وَقَدْ بلَغَ نِصاباً؛ وَجَبَ علَى صاحِبِه أَنْ يُخرِجَ عُشرَ نتاجِ زرعِه أَو ثَمَرِه (10%), وإذَا كانَ يُسقَى بأجرةٍ وتكلفةٍ؛ فالواجبُ نصفُ العُشرِ (5 %), وإذا سُقيَ نصفَ الوقتِ بماءِ المطرِ، والنصفَ الآخرَ بأُجرةٍ وتكلفةٍ؛ فالواجبُ ثلاثةُ أرباعِ العُشرِ (7.5 %), وإنْ سُقيَ بأحدِهِما أكثرَ منَ الآخرِ فالحكمُ للأكثرِ، لحديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهُما أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: (فِيْمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ) أخرجهُ البخاريُّ، والعثريُّ: هُو النخلُ الذِي يشربُ الماءَ بعروقِه الممتدَّةِ فِي الأرضِ دونَ أنْ يسقِيَهُ أحدٌ، والنضحُ: هو نقلُ الماءِ إلَى المزروعاتِ علَى الحيواناتِ، أو بالآلاتِ، وخراطيمِ المياهِ والتنقيطِ، وهُوَ مَا يُعرفُ عندِ العوامِّ بالتفتوف، ونحوِها.
4.      وقتُ إخراجِ الزكاةِ فِي الثمارِ بعدَ الجفافِ، وذلكَ إذَا صارَ ثَمَرُ النخلِ تَمْراً, والعنبُ زبيباً, وأمَّا فِي الزروعِ   فإخراجُ الزكاةِ يكونُ بعدَ دَرْس الزَّرعِ، وتصفيَةِ الحَبِّ مِن التِّبنِ أو القشرِ, ولَا زكاةَ علَى التَّبنِ والقشرِ إلَّا إذَا كانَ الحبُّ يدَّخر ويؤكلُ بقشرِه، فإنَّ القشرَ يدخلُ فِي حِسَابِ الزَّكاةِ؛ لأنَّه طعامٌ.
5.      النَّخلُ الذِي لَا يصيرُ بَلَحُهُ تمراً, والعنبُ الذِي لَا يصيرُ زبيباً, تُؤخذُ زكاتُه مِن ثمنِه بعدَ بيعِه إذا بلغَ نصاباً، وهوَ مذهبُ المالكيَّةِ, وعندَ الشافعيَّةِ تؤخذُ الزكاةُ مِن نفسِ الثَمَرِ عندَ نُضْجِه وصَلاحِهِ للأكلِ, وقولُ المالكيَّةِ أيسرُ علَى الناسِ، وبه أفتى ابنُ عُثيمينَ، وقالَ: " لأنَّ ذلكَ أسهلُ علَى المالكِ، وأنفع للمحتاجِ "، ولأنَّهُ قَد يتسارعُ إليهِ الفسادُ، فلا يستفيدُ الفقيرُ منهُ.
6.      إذَا بيعَ الزرعُ رَطْباً قبلَ الجَفافِ، كالفولِ والبازلَّاءِ واللوبياءِ التِي تُباعُ بقرونِهَا، فهذهِ حكمُهَا كحُكمِ النَّخلِ الذِي لا يَصِيرُ بلَحُه تمراً، والعنبِ الذِي لَا يصيرُ زبيباً, إمَّا أن يُخرِجَ القدرَ الواجبَ، وهُو العُشرُ أَو نصفُ العُشرِ مِن نفسِ الزرعِ, وإمَّا أنْ يُخرِجَ قيمةَ الزكاةِ مِن ثمنِهِ بعدَ بيعِهِ، وهُوَ الأيسرُ علَى المزارعِ، والأنفعُ للفقيرِ، قالَ ابنُ عثيمينَ: " وإخراجُ القيمةِ غالباً أنفعُ للفقراءِ ".
7.      يجبُ علَى المزكِّي أنْ يُخرِجَ الزكاةَ عَن جَميعِ المَحْصُولِ, فلا تُخصَمُ النفقاتُ المتعلقةُ بِسَقْيِ الزَّرعِ مُطلقاً, وأمَّا النفقاتُ المُتعلِّقةُ بشراءِ البُذورِ والسَّمادِ والمُبيداتِ لوقايةِ الزرعِ مِن الآفاتِ، ومؤنَةِ الجُذاذِ والحصادِ، فإنَّها تُخصَمُ مِنَ المحصولِ قبلَ حِسابِ النصابِ، على الرَّاجحِ مِن أقوالِ أهلِ العِلم, ودليلُ ذلكَ قولُ ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا: (يَقْضِى مَا أَنْفَقَ عَلَى الثَّمَرَةِ، ثُمَّ يُزَكِّى مَا بَقِيَ) أخرجه البيهقيُّ.  
8.      إذا اشتركَ شركاءٌ في زرعٍ واحدٍ فإنَّ هذَا الزرعَ يُعَدُّ مَالاً واحداً، وتَجبُ فيهِ الزَّكاةُ كأنَّهُ لشخصٍ وَاحدٍ، فإذَا بَلغَ النصابَ قبلَ قسمتِهِ وجبتْ فيه الزكاةُ؛ لعمومِ قولِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ: (لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ؛ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ) أخرجه أبو داود، فإذَا أخذَ كلُّ واحدٍ نصيبَه مِن الزرعِ أو الثمرِ أخرجَ القدْرَ الواجبَ حسبَ حِصتهِ، وإذَا استأجرَ الشخصُ أرضاً فزرَعَها؛ فإنَّ زكاةَ الزرعِ تجبُ عليهِ دونَ مالكِ الأرضِ؛ لأنَّ الثَّمرَ لهُ، لَا لِصاحبِ الأرضِ.
9.      تُصرفُ زكاةُ الزُّروعِ والثِّمارِ فِي الأصنافِ الثَّمانيَةِ الواردَةِ فِي قولِه تعالَى: )إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ( سورة التوبة: 60, ولا تُعطَى الزَّكاةُ للأصولِ؛ كالأبِ والأمِّ، والجدِّ والجدَّةِ, ولا تُعطَى للفروعِ؛ كالأبنَاءِ وأبنائِهِم، ذكوراً كانُوا أو إناثاً, ويجوزُ إعطاؤُها للإخوةِ والأخواتِ، وأزواجِ البناتِ، وأزواجِ الأخواتِ، وسائرِ الأقاربِ، بشرطِ أنْ يكونُوا فُقراءَ، أو مِن أهلِ المصارِفِ المذكورةِ فِي الآيةِ، وهِي حالئذٍ صدقةٌ وصِلةُ رحمٍ، فيكونُ ثوابُها أعظمَ عندَ اللهِ تعالَى.
10.  سائرُ الخَضرواتِ والفواكِهِ سِوَى ثمرتَيْ النخِيلِ والعِنَبِ، ففِي وُجوبِ الزكاةِ فيهَا خلافٌ بينَ العُلماءِ، وننصحُ بإخراجِ الزكاةِ منهَا إذَا بلغَ المحصولُ نِصاباً، بعدَ خَصْمِ النَّفقاتِ التِي أُنفِقتْ عليهَا فِي غيرِ السَّقيِ، وفقَ مَا سبقَ بيانُهُ فِي البَنْدِ السَّابِعِ، خُرُوجاً مِنَ الخِلافِ، ومُسارعةً لشكرِ النِّعمَةِ.

واللهُ تعالَى أعلمُ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ علَى نبيِّنا محمدٍ، وعلَى آلهِ وأزواجِه وأصحابهِ أجمعينَ