الاثنين، 20 يناير 2014

حكم اعتبار حق العودة على المزاج كالحق في الزواج

بسم الله الرحمن الرحيم
حكمُ اعتبارِ حقِّ العودةِ علَى المزاجِ كالحقِّ فِي الزَّواجِ

o     هلْ يجوزُ اعتبارُ حقِّ عودةِ الفلسطينيينَ اللاجئينَ إلَى ديارهم التِي طُرِدوا منهَا حقاً شخصياً يجوزُ التنازلُ عنهُ كحقِّ الإنسانِ فِي الزواجِ ونحوِهِ من المباحات ؟
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ علَى رسولِ اللهِ، وآلهِ وصحبِهِ ومَن والاهُ، وبعدُ:
إنَّ اللهَ جلَّ وعلَا قد فرضَ علَى المسلمينَ الذينَ أُخرِجوا مِن ديارِهم وأموالهِم الجهادَ في سبيلِه، وأمرهم بقتالِ الذينَ فتنوهمْ فِي دينهِم؛ بإخراجهِم مِن أرضِهِم؛ فقالَ سبحانه: { وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ... } (البقرة، من الآية 191).
وقد نزلتْ هذهِ الآيةُ الكريمةُ فِي كفارِ قريشٍ الذينَ فتنُوا المسلمينَ فِي دينهمْ، بإخراجهِمْ من أرضهم وأوطانهمْ ظلماً وقهراً وعدواناً.
بل إنَّ القرآن الكريم قد ردَّ علَى أولئكَ السفهاءِ الذينَ أنكرُوا علَى المسلمينَ قتالَهُم المعتدينَ فِي الأشهرِ الحُرُمِ، وهُم الذينَ أخرجوهُم من أرضهِم وبلادهم، قال تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } (البقرة، الآية 217).
وقد فسَّر عددٌ مِن العلماءِ الفتنةَ فِي الآيتينِ: بفتنةِ المسلمينَ فِي دينهمْ بإخراجهِم من أرضهِم، والصدِّ عن سبيلِ اللهِ تعالَى، والوقوفِ فِي وجهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأصحابِه.
وعليهِ فإنَّ مَن أُخرِج مِن أرضِه ظُلماً مأمورٌ بِحملِ السِّلاحِ، وقتالِ الظالمينَ الذينَ أخرجوهُ مِن أرضهِ، ولا يجوزُ لهُ أنْ يُسلِّم لهمْ بالأمرِ الواقعِ، أو يرضَى باستيلائهِم علَى ديارهِ، ولذلكَ كانَ القتالُ فِي سبيلِ اللهِ واجباً، وكانَ الجهادُ ماضياً إلى يومِ القيامةِ، وهذا أمرٌ مجمعٌ عليهِ بينَ علماءِ الأمةِ الموثوقينَ علَى مرِّ السنينَ.
أمَّا الزواجُ فِي الإسلامِ فهوَ سنةٌ حثَّ عليهَا النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَّ، ولكنْ لمْ يَرِدْ نصٌّ مِن كتابٍ أو سُنَّةٍ يأمر الشباب بالقتالِ من أجلِ الزواج، ويتوعدُ تاركَه بالعذابِ الشديدِ يومَ القيامةِ، بلْ إنَّ غيرَ القادرِ علَى النكاحِ مأمورٌ بالتَّعففِ والتصبُّرِ؛ لقولِهِ تعالى: { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ... } ( سورة النور، من الآية: 33)، ولحديثِ يزيد بنِ عبدِ اللهِ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال: ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ؛ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) (متَّفقٌ عليه).
وقد ثبتَ عن غيرِ واحدٍ من العلماء أنَّهُ تَرَكَ الزَّواجَ، وتفرَّغَ للعلمِ والتدريسِ والكتابةِ؛ كالإمامِ النَّوويِّ وغيرهِ، ولمْ يثبُتْ عنْ أحدٍ مِن العُلماءِ أنَّهُ أجازَ تركَ العدوِّ يسرحُ ويمرحُ في بلادِ المسلمينَ التي اغتصبها منهمْ عنوةً؛ بل قالوا بوجوبِ الجهادِ فِي سبيلِ اللهِ، واعتبروا قتالَ الغُزاةِ فرضَ عينٍ علَى كلِّ قادرٍ علَى حملِ السلاحِ.
وعليه؛ فإنَّ الذِي يُشَبِّهُ حقَّ العودةِ بالزَّواجِ، ويعتبرُهُ حقاًّ شخصياً يجوزُ لصاحبِهِ أنْ يتنازلَ عنهُ، إنَّما هُو سفيهٌ لَا يفقهُ فِي سُننِ الدينِ والحياةِ شيئاً، أو مارقٌ وخائنٌ لهذه الأمَّةِ، ولقضيَّةِ فلسطينَ، وكلُّ مَن يؤمِنُ بذلكَ، أوْ يُوافقُ علَيهِ مأمورٌ بالمسارعة إلَى التوبةِ مِن هذا البُهتانِ العظيمِ، والضَّلالِ المُبين.

محمد سليمان نصر الله الفرا
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
رئيس الدائرة العلمية في رابطة علماء فلسطين
محاضر بكلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية - غزة
فلسطين المحتلة – قطاع غزة
mohammadelfarra@hotmail.com
facebook.com/shaikh.mohammadelfarra

الاثنين، 6 يناير 2014

الدعاة البرجوازيون


الدعاة البرجوازيون
بقلم: محمد سليمان الفرا
يُعرِّف علماء الاجتماع البرجوازية بأنها: طبقة اجتماعية ظهرت في القرنين 15 و 16 للميلاد، تمتلك رؤوس الأموال والحرف, وتمتلك كذلك القدرة على الإنتاج والسيطرة على المجتمع مؤسسات الدولة للمحافظة على امتيازاتها ومكانتها.
بمعنى أنها طبقة غير منتجة، وتعيش من فائض قيمة عمل العمال، حيث أن البرجوازيين هم الطبقة المسيطرة على وسائل الإنتاج، وهم فئات ومراتب تبدأ من كبار البرجوازية، وانتهاءً إلى البرجوازيين الصغار...
والعجيب أنك أصبحت اليوم ترى طبقة جديدة من طبقات البرجوازيين، وهي طبقة ( الدعاة البرجوازيين )، وهم الدعاة الذين أحسنوا في مجال التأصيل النظري لمفاهيم الإسلام، وخرجوا على الناس بأثوابهم البيضاء القصيرة ( وبعضهم لبس البنطال ) ولحيتهم الطويلة ( وبعضهم كانت لحيته قصيرة أو كان داعيةً حليقاً ) يتحدثون على شاشات التلفاز... حيث الغرف المكيفة، ولا غبار ولا حر يعيق تحركه في الشارع متنقلاً بين الناس.
هؤلاء الدعاة الذين عاشوا على عطايا أصحاب القنوات الفضائية، وتكسبوا من وراء ألسنتهم، ولم يكابدوا التعب في حياتهم؛ لا يعقل أن يفرطوا يوماً بهذه المكتسبات التي جعلتهم من أصحاب النعيم في الدنيا...
ولذلك لا تستغرب، وأنت ترى هؤلاء البرجوازيون على شاشات التلفاز يشرعنون القتل للظلمة، ( ولا أقول يشرعون ) ويتساوقون مع المجرمين الذين ولغوا في دماء الناس وأعراضهم، ويلوون أعناق النصوص الصحيحة للوصول لأغراضهم الخاصة.
هؤلاء ( الدعاة ) تكشفهم المحن والمحكَّات، التي تخرج ما في قلوبهم، وتظهرهم للناس على حقيقتهم، ولله در الشاعر العربي حين قال:
جزى الله الشــــــدائد كل خيرٍ *** وأن كانـت تغصصني بريقي
وما شـــــــكري لها إلا لأني *** عرفت بها عدوي من صديقي