السبت، 31 أغسطس 2013

أيُّها الشامتون في دمائنا.. كفى !!!


أيُّها الشامتون في دمائنا.. كفى !!!
بقلم الشيخ محمد سليمان الفرا
بيَّن القرآن الكريم طبيعة العلاقة بين المنافقين من أبناء هذه الأمة، والمغضوب عليهم من أهل الكتاب؛ فجعلهم إخوةً في الباطل ومتعاونين على الزور ومجابهة أهل الحق؛ فقال سبحانه في سورة الحشر: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }  الآية 11.
§        الكذب ديدن اليهود والمنافقين:
ولذلك لا عجبَ أن تجدَ تشابهاً فطرياً في الصفات بين إخوان الشياطين من اليهود والمنافقين، ويدلُّ لذلك أن الله جلَّ وعلا قد وصف الفريقين بالكذب في القرآن الكريم، فقال في سورة آل عمران واصفاً اليهود: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } الآية 75، فهؤلاء القوم كذبوا على الخلق، وكذبوا على الحق جلَّ وعلا؛ ذلك أنَّهم ادَّعَوا أنهم لن يدخلوا النار إلا أياماً معدودةً، وقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، وأنَّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء؛ كذباً على الله، وتعالياً على الناس.
كما أنَّه وصف المنافقين بالكذب في أول آية تتوعدهم في القرآن الكريم فقال في سورة البقرة: { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } الآية 10.
وقد سمَّاهم الله مرضى، والمرض لا يُصيب أبدانهم، وإنما يصيب قلوبهم ودخائل نفوسهم، فترى أجسامهم سليمة من العيوب، وقد ترى على بعضهم سمات الصلاح الظاهرة؛ ولذلك قال عنهم في سورة المنافقون: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} الآية 4.
§        داء الشماتة في مصاب الناس:
ومن أخطر الأمراض التي أصابت قلوب المنافقين الذي يسارعون في أعداء الأمة، ويوالون غير المسلمين: الفرح بأذية المسلمين وإظهار الشماتة في مصابهم، وهي صفة ذكرها الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم ملازمةً للمنافقين وأوليائهم من اليهود دون غيرهم من البشر.
فقال مخبراً عن اليهود في سورة آل عمران: {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} الآية 120، فهم يفرحون لمصاب المؤمنين، وتسودُّ وجوههم غيظاً وحسداً لخيرٍ أو نعمةٍ آتانا الله إياها، {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } النساء 54.
وهذا الداء – داء الشماتة – قد أصاب  قلوب أوليائهم من المنافقين، فقد قال الله تعالى عنهم في سورة التوبة: {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ } الآية 50، فالقلوب متشابهة، والطباع واحدةٌ، والشماتة في مصاب المؤمنين على وجوههم بادية.
إنه فرح بئيس... ممزوجٌ بالحقد على المسلمين... والشماتة في مصابهم... يدل على عدم إيمانهم بالقضاء والقدر، وأن ما أصاب المسلمين من بأساءٍ أو ضراءٍ إنما هو بقدر الله تعالى ليصنع هذه الأمة على عينه.
ومما يزيد الألم أن ترى هؤلاء المنافقين من إخوان إبناء القردة والخنازير يظهرون الشماتة صراحة في دماء المسلمين التي تسيل، ويعلو وجههم البشر والسرور للأرواح التي تزهق، ومنهم من دبَّج الكلمات والمقالات والتحليلات انتصاراً للقتلة والمجرين، وشماتة في دماء الأبرياء المظلومين.
وكأنَّه يعجبهم حالُ المسلمين في مصر وقد سالت دماء شبابهم وفتياتهم على الأسفلت، أو يعجبهم حال سورياً وقد ضرب أطفالها بالسلاح الكيمياوي، أو يعجبهم حال العراق وقد فقدت أمنها، وضاعت مقدراتها، أو يعجبهم حال فلسطين وقد قضم العدو أكثر أرضها، وفرط له المفاوض فيما تبقى بلا ثمن !!!!.
بل إنك تراهم قد تعدَّوا مرحلة الشماتة في المسلمين ومصابهم، وأظهروا شماتةً وقحةً في الإسلام ذاته؛ كتلك الشماتة التي علت وجوه كفار قريش يوم معركة أحد؛ حين قال قائلهم: أعل هبل... العزى لنا ولا عزى لكم... يوم بيوم والحرب سجال !
أما أعلم أولئك السفهاء أن من لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم؛ وأنَّ من خذل مؤمناً في موطنٍ يطلب فيه نصرته خذله الله في موضعٍ يرجو فيه نصرته ؟
إنَّ الشماتة في مُصاب المسلمين وعدمُ الاهتمام لأمرهم يُعدُّ ثُلمةً في عقيدة الإنسان قد تخرجه من دائرة الإسلام إلى دائرة من تولى من الكفار والمجرمين.
إنَّ هؤلاء المنافقين الصغار قد ساروا على درب أجدادهم من المنافقين الكبار الذين فرحوا بترك طريق الجهاد وتنكبوا سبيل ذات الشوكة فقال الله عنهم في التوبة: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} الآية 81.
وإن الله تعالى قد توعَّد هؤلاء المنافقين وأجدادهم في القرآن الكريم فقال في سورة التوبة {فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} الآية 82.
وعليه فأقول لهؤلاء المنافقين الذين فرحوا بترك الجهاد في سبيل الله وتنكبوا طريق الحق، وسلكوا طريق التيه يفاوضون فيها العدو مقابل سراب يحلمون به، وفرحوا لمصاب المسلمين، وشمتوا في الأرواح التي أزهقت منهم بغير حقٍّ؛ أقول لهم كما قال الله تعالى لأجدادهم: {فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} إنَّ موعدهم مع ندم كبيرٍ، وبكاءٍ كثير؛ حيث لا ينفع الندم، ولا يفيد البكاء، كل ذلك بما قدَّمت أيديهم، والله من ورائهم محيط.

الجمعة، 23 أغسطس 2013

ليبيرالية المبادئ ومبادئ الليبيرالية


ليبيرالية المبادئ ومبادئ الليبيرالية

بقلم: محمد ســـليمان الفرا
أكاديمي وباحث فلسطيني

لا زالت التيارات العلمانية واليسارية والليبيرالية في بلادنا العربية – كلُّها أو جلُّها - تثبت كلَّ يوم أنها ليست صاحبة مبدأ، ولا ترتكز إلى أخلاق أو عقلانية، بل هي فاقدة لأي شرف أو مصداقية.

وتبرهن بالدليل الدامغ أنها ليست مبتورةً عن الأنظمة الحاكمة (الدكتاتورية) المنقرضة بكل أجهزتها الأمنية والعسكرية والإعلامية التي أصبحت تمثل اليوم أدوات الاستبداد ومعاداة الشعوب، بل أصبحت اليوم تقف ضد إرادة الشعوب وحرياتها بكل وقاحة.

لقد اعتقد الناس إلى وقت قريب أنَّ هذه الشريحة المبتورة عن الأمة تاريخا ووعيا ووجدانا وثقافة قد فهمت الدرس من الثورات الشعبية التي انطلقت عام 2011م.

وظنوا أنها وقفت مع إرادة الشعوب التي خرجت للميادين تطالب بالحرية والمساواة، وتعلن رفضها للظلم أياً كان مصدره؛ على اعتبار أن مبادئ الليبيرالية تقوم على أساس دستورية الدولة، والديمقراطية، والانتخابات الحرة والنزيهة، وحقوق الإنسان، وحرية الاعتقاد، وأنِّ من مبادئها تكريس سيادة الشعب عن طريق الاقتراع العام، وذلك للتعبير عن إرادة الشعب واحترام مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، وأن تخضع هذه السلطات للقانون من أجل ضمان الحريات الفردية وللحد من الامتيازات الخاصة، ورفض ممارسة السيادة خارج المؤسسات لكي تكون هذه المؤسسات معبرة عن إرادة الشعب بأكمله.

كما أنَّ الليبيراليين في فترة سابقة قد صموا آذننا بالمناداة بحق المعارضة السياسية خصوصًا، وخطورة عسكرة المعارضة أو تسلحها، فبدون الحريات التي تحرص عليها الليبرالية فإنه لا يمكن تشكيل معارضة حقيقية ودعايتها لنفسها وبالتالي لن تكون هنالك انتخابات ذات معنى ولا حكومة منتخبة بشكل ديمقراطي نتيجة لذلك.

لكنها وللأسف أعادتنا بالذاكرة إلى ما جرى في الجزائر من انقلابٍ مباشرٍ على نتائج الانتخابات التي جرت في ديسمبر 1991م، وفازت فيها جبهة الإنقاذ الإسلامية بغالبية ساحقة وصلت إلى 82%، ما يجعلها قادرة على استلام السلطة باقتدار. وأعادتنا كذلك إلى ما تبع هذا الانقلاب من حرب على الإسلاميين والمجتمع الجزائري عقوبة له على هذا الاختيار.

§         إيمان بالديموقراطية وكفر بنتائجها:

هؤلاء الليبيراليون كانوا ينادون بالديموقراطية، وهم الآن أكفر الناس بها، وكانوا يحذرون من عسكرة السلطة، وهم الآن أكثر (اللاحسين) لبساطير العسكر، وكانوا يرفضون الحكم الجبري القائم على الانقلاب العسكري، وهم الآن أكثر الداعمين له، بل يخرجون على وسائل الإعلام بوجوههم المشوهة، وألسنهم الأفعوانية وأقلامهم المسمومة يدافعون عن الانقلابات العسكرية التي عفا عليها الزمن، ولم يعد تنطلي على الشعوب، بل يحالون باستماتةٍ مفضوحة أن يبرروا عمليات قتل المتظاهرين، والإبادة الجماعية التي يتعرض لها من يرفض الانقلاب.

والسبب في ذلك أنهم يؤمنون بالديموقراطية التي تأبي بهم إلى الحكم وتجعلهم أوصياء على الشعوب العربية التي عاشت عقوداً تحت جنازير الانقلابات العسكرية؛ ولن لو فاز غيرهم بهذه الاداة (الديموقراطية) فإنهم من أول الكافرين بها؛ لأن الشعوب - في وجهة نظرهم - مخدوع بالدين، ومتأثرة بالإسلام القديم، وهي لا تعرف مصلحتها، وأن مصلحة الشعوب ونجاتها تتلخص في سلخها عن قيمهما ومبادئها وتاريخها الإسلامي، ولو بالسلاح؛ لذلك تراهم يعارضون الحكم العسكري، ويدعون لمدنية الدولة، ثم يلهثون خلف (بارونات الحرب) و(أمراء السلاح) للانقلاب على نتائج الانتخابات التي لم تأت بهم، ولم تؤهلهم لقيادة المجتمع.

§         الديموقراطية وتداول السلطة:

هؤلاء (المسوخ) رغم انكشاف سوءاتهم لا يزالون يحرصون على المناداة بالديموقراطية (التي نفرزهم) ويدعمون (الانتخابات) التي تأتي بهم، وهم لا يعلمون أن الانظمة الدكتاتورية البادئة كانت ديموقراطية أكثر منهم؛ فقد كان اسيادهم يعقدون الانتخابات – وإن كانت مزورة – ثم يحترمون نتائجها؛ أما هؤلاء فسرعان ما يواجهون إرادة الشعوب، ويجابهونها بأفكار باتت (منقرضة).

هؤلاء المساكين يظنون أن الديموقراطية هي الانتخابات – بشرط أن تأتي بهم – وهم بذلك أخطأوا مرتين، وكانوا أسوأ من الجنرالات التي حكمت الشعوب بالحديد والنار عقوداً طويلة:

المرة الأولى: لما آمنوا بالانتخابات وكفروا بنتائجها، فكانوا مثالاً مستنسخاً عن الجيش الجزائري التي ربته فرنسا، وانفقت عليه من مالها، فاعلن عام 1991 أن فوز الإسلاميين في الانتخابات هو (ولد غير شرعي) للديموقراطية، فأثبتوا على أنفسهم أنَّ الديموقراطية التي يعتبرونها أماً لهم ليست سوى مجرد زانية تحمل سفاحاً، وتأتي باللقطاء.

أما الخطأ الثاني: لما ظنوا أنَّ الديموقراطية هي الانتخابات، وهذا ليس صحيحاً؛ لأن الأنظمة القمعية التي زالت عن صدورنا كانت تعقد الانتخابات (وإن كانت مزورة) وكانت تحترم إرادة (الصندوق) بغض النظر عن الطريقة التي كان يملأ بها الصندوق؛ فهل نستطيع تمسية ذلك ديموقراطية ؟؟؟؟

طبعاً لا؛ لأنَّ الديموقراطية لها مبادئ وأدوات، والانتخابات هي أداة من أدوات الديموقراطية؛ أما المبدأ التي تقوم عليه الديموقراطية هو (التداول السلمي للسلطة) والرضا بالنتائج، والمعارضة السياسية الشريفة التي تقوم على أساس المصلحة الوطنية.

ولذلك فإنَّ دول قلب أفريقيا – ومنها جمهورية الكونغو (الديموقراطية!!) – تجري فيها الانتخابات كل فترة، ومع ذلك هي بعيدة كل البعد عن الديموقراطية؛ لأنها تفتقد مبدأ الديموقراطية؛ فكل انتخابات تعقد فيها يعقبها حرب أهلية، واحتماك مقيت للسلاح، وتشريد لآلاف الأبرياء، ولذلك لا نستطيع أن نقول أجريت انتخابات في الكونغو، بل نقول: (نشبت) انتخابات في الكونغو؛ لأنها لم تقم على أساس الديموقراطية مبادئها.

§         ثورة على الكهنوتية الليبيرالية:

وهكذا الحال عند الليبيراليين العرب يؤمنون بالديموقراطية، ويكفرون بالتداول السلمي للسلطة، ويعتبرون أنفسهم أولياءً على إرادة الشعوب؛ ليستنسخوا بذلك حقبة الحكم الكهنوتي لأوروبا في العصور الوسطى، وهذا ما سيستدعي ثورة جديدة للشعوب العربية الطامحة للحرية والكرامة على بابوات (الكنيسة الليبيرالية) على غرار الثورة الفرنسية التي قامت على (بابوات الكنيسة الكاثوليكية) سابقاً.

وإلا فإن ليبيرالية المبادئ سترجعنا مرةً اخرى إلى عصور الاستبداد والحكم الديكتاتوري، وديموقراطية إقصاء الأخرين، وانتخابات الـ(99.9 %).

الاثنين، 5 أغسطس 2013

تكحيلُ العَيْنَيْن بآدابِ ومستحبات العِيدَيْن


بسم الله الرحمن الرحيم
تكحيلُ العَيْنَيْن بآدابِ ومستحبات العِيدَيْن
بقلم الشيخ: محمد سليمان الفرا
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ علَى أشرفِ الخلقِ أجمعينَ، وبعدُ...
فهذِه رسالةٌ لطيفةٌ تتضمَّنُ بيانَ آدابِ العيدِ ومُستحبَّاتِه، وتُحذِّرُ من المخالفات التي قَد يُقارِفُها الناس فيه، وبيانُ ذلكَ في النُّقطتين التَّاليتينِ:

§        أولاً: سُنَنُ يومِ العيدِ وآدابُهُ:
للعيدِ آدابٌ ومستحباتٌ بيانُها في البنودِ العشرةِ التاليةِ:
1.       يستحب للرجال رفع الصوت بالتكبير في ليلتي العيدين في مساجدهم، ومنازلهم، وطرقهم؛ لقول الله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (سورة البقرة، من الآية 185)، وللنساء أن يُكَبِّرْنَ بصوتٍ خفيضٍ، وينتهِي وقتُ التَّكبيرِ في عيد الفطر بنهاية صلاةِ العيد، أما في عيد الأضحى فيستمرُّ إلى غروبِ شمسِ ثالثِ أيامِ التشريقِ، وهيَ الأيامُ الثَّلاثةُ التي تلِي يومَ الأضحَى.
2.       التكبيرُ للعيدِ له كيفيَّاتٌ عديدةٌ، والأمرُ فيه واسعٌ، والمشهورُ في المسألةِ ما استحبَّه الإمامٌ الشافعيُّ رحمه الله، حيث قال النووي: "وصيغته المحبوبة: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، هذا هو المشهور من نصوص الشافعي" منهاج الطالبين، ص 24 
3.       من مُستحباتِ يومِ العيدِ الاغتسالُ، والتَّجَمُّلَ والزينةُ في الملبسِ والهيئةِ، ولبسُ أفضل الثياب وأجملها، والتطيبُ، وتقليمُ الأظافر؛ لأنه يوم فرحٍ وسرورٍ، وفيه يجتمع الناس ويتزاورون.
4.       يُستحبُّ للناسِ أن يُفطروا على تمرٍ قبل الخروج للصلاة يوم عيد الفطر، وأن يؤخروا طعامهم يوم الأضحى لما بعد النَّحرِ، ويدلُّ لذلك حديث أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنهُ قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ) وفي روايةٍ (وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا) أخرجه البخاري، وعن بريدة رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ، وَلَا يَأْكُلُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ) أخرجه أحمد بإسنادٍ حسنٍ.
5.       يستحبُ التبْكيرُ إلى المصلَّى في يوم العيد؛ لقول الله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} (سورة المائدة، من الآية 48)، والعيدُ مِن أعظمِ الخيراتِ، وقد دلَّت النصوصُ علَى فضِيلةِ التَّبكيرِ إلى الجماعاتِ والجُمُعاتِ، والدُّنُوِّ من الإمامِ، وفضيلةِ الصفِّ الأولِ؛ والعيدُ يدخلُ في ذلك كلِّهِ.
6.       ويستحب في يوم العيد خروج النساء والصبيان إلى المصلى؛ لحديث أم عطية: (أَمَرَنَاْ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِيْ الفِطْرِ والأَضًحَى... فَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ) أخرجه أحمد وأصله عند البخاري، ويجبُ على النساءِ التستُّرُ، وعدم السفور، وتركُ الطيبِ والزينةِ التي فيها فتنةٌ للرجال.
7.       ويستحبُّ المشيُ إلى المصلَّى في يومِ العيدِ، وتركُ الرُّكوبِ للقادرِ على ذلك، قال ابن المنذر: " المشيُ إلى العيدِ أحسنُ، وأقربُ إلى التواضعِ، ولا شيءَ علَى من ركِب " الأوسط لابن المنذر: ج 4، ص 264.
8.       ومن المستحبات في هذا اليوم التهنئة بالعيد، وإظهار الفرحِ والسُّرورِ بقدومِهِ؛ لما جاء عن جُبير بن نُفيرٍ قال: (كَاْنَ أَصْحَاْبُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا الْتَقَوْا يَوْمَ العِيْدِ يَقُوْلُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ) ذكره ابن حَجَرٍ في فتح الباري، وحسَّن إسناده.
9.       يُستحبُّ فِي يومِ العيدِ أنْ يرجعَ المُصلِّي من غير الطريق الذي ذهب منه للصلاة؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ) أخرجه البخاري، ولمخالفةِ الطريقِ حِكَمٌ كثيرة منها: إظهار شعائر الإسلام، ولتشهد له الملائكة في الطريقينِ، وفيه إظهارُ ذكرِ اللهِ تعالى، والسلامُ على أهلِ الطَّريقينِ...
10.   من أفضلِ الأعمالِ في يومِ العيدِ صلةُ الأرحامِ، وتفقُّدُ الفقراءِ والمساكين، وإدخال السرور على الأيتام والأرامل والثكالى؛ ذلك أن يوم العيد هو يوم فرحٍ وسرورٍ، ومن خير ما يصنع العبد فيه أن يُدخل السرورَ على قلوب المسلمين.

§        ثانياً: مخالفاتٌ ينبغي الحذرُ منها:
وأشهرها خمسٌ على النَّحوِ التالي:
1.       مصافحةُ النساء الأجنبيات:
يحرُمُ علَى الرجلِ مصافحةُ المرأةِ الأجنبيَّةِ التي ليست مِن محارِمِه، ويدلُّ لذلك حديث معقل بن يسارٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيِطٍ مِنْ حَدِيْدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ) أخرجه الطبراني وصححه الألباني، فلا يجوز التساهلُ فِي ذلكَ يومَ العيدِ.
2.       تأخيرُ الصلاة عن وقتها:
ينشغلُ بعضُ الناسِ في يوم العيد بِصِلَةِ الأرحامِ والتزاورِ عن الصَّلاة؛ فيؤخرونها لآخر وقتها، وفي بعض الأحيان يخرج وقتها قبل أدائها، وفي ذلك مخالفةٌ شرعيَّةٌ؛ فإنه لا يجوزُ تأخيرُ الصلاة عن وقتِها لغيرِ عُذرٍ معتبرٍ شرعاً، ومن أخَّرَ الصلاةَ عن وقتِها مِن غيرِ عُذر فقد أثم إثماً عظيماً، لقولِ الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} (سورة الماعون، الآيتان 4، 5)، قال المفسرون: الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها.
3.       الإساءة في صلة الرحم.
ويكون ذلك بإلقاء الهديَّة أو (العِيديَّةِ) لأرحامه من الباب، وعدم دخول البيت بحجة كثرة الأرحامِ، وضيقِ الوقتِ، أو قد يبعثها لأرحامه مع ولده الصغير، وفي ذلك مخالفةٌ للهدي النبوي في صلة الرحم؛ فإنَّ من مقاصدِ صلةِ الرحِمِ المؤانسةَ، وتفقدَ الأحوالِ.
4.       الإسراف وتبذير المال:
ويكون ذلك بالتَّوسُّعِ المذمُومِ في الطعامِ، والشرابِ، واللباسِ، أو شراء ما لا فائدة فيه من الألعاب التي يكون ضررُها أكثرَ من نفعها؛ كالأدواتِ الحادَّةِ التي تُسبب أذىً للناس في أبدانهم وأنفسهم، أو تكسر قلوب الفقراء وأبنائهم، وقد حَرَّمَ الإسلامُ التبذيرَ ونهانَا عَن الإسرافِ فقال سبحانه وتعالى: {وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (سورة الأنعام، من الآية 141)، وقال جل وعلا: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } (سورة الإسراء، من الآية 27).
5.       التقصيرُ في التكبير للعيد:
فقد أصبحَ التكبيرُ للعيدِ في المساجِدِ والأسواقِ والطرقاتِ مهجوراً في زماننا، وصارَ الناسُ يقتصرونَ علَى التكبيرِ في المُصليات وقتَ الصلاةِ علَى استحياءٍ، وبصوتٍ خفيضٍ، وهو خلافُ السُّنة، والأصلُ في ذلكَ رفعُ الصوتِ بالتكبير والتهليلِ في الطرقات، ومجامع الناس؛ اتباعاً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلم، وإظهاراً للشعيرة واعترافاً بنعمةِ اللهِ علينَا.
والحمدُ لله في الأوَّلِ والختامِ، وعلى رسولِه محمدٍ أفضلُ الصلاةِ وأتمُّ السلامِ

 

الأحد، 4 أغسطس 2013

البيانُ الرَّشيد لأحكامِ صلاةِ العيد


بسم الله الرحمن الرحيم

البيانُ الرَّشيد لأحكامِ صلاةِ العيد
                                                                              بقلم الشيخ محمد سليمان الفرا
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ علَى أشرفِ الخلقِ أجمعينَ، وبعدُ...
فهذِه نشرةٌ موجزةٌ في أهمَّ أحكامِ صلاةِ العيدِ، وما يتَّصلُ بها من مسائلَ، وهيَ مبسوطةٌ فِي تسعةِ بنودٍ كما يلي:
1.       صلاةُ العيدِ سُنَّةٌ مؤكَّدَةٌ عن المُصطفَى صلَّى الله عليه وسلَّم، وهيَ مِن شعائرِ الإسلامِ الظاهرة، فلا ينبغِي للمسلمِ تركُها.
2.       يبدأُ وقتُ صلاةِ العيدِ بعد شروق الشمسِ بمقدار عشرِ دقائق، إلى زوالها عَن كبدِ السَّماءِ، ودخولِ وقتِ الظهرِ، ومن السُّنَّةِ تأخيرُ صلاةِ عيدِ الفطرِ عن أوَّلِ وقتِها؛ حتَّى يتمكنَ النَّاسُ من إخراجِ صدقةِ الفِطرِ قبلَ الصلاةِ، كما يُسنُّ تعجيلُ صلاةِ عيدِ الأضحَى؛ ليُسارِعَ الناسُ إلى ذبائحهِم بعدَها.
3.       يُسَنُّ الخروجُ لأداءِ صلاة العيد في العَراءِ؛ لما روى أبو سعيدٍ الجدريِّ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى...) أخرجه البخاري، وقد داومَ الخلفاءُ الراشدونَ على ذلكَ مِن بعدِه، ولما فيه مَن اجتماعِ الناسِ يومَ العيدِ، وتحقيقُ التعارفِ والتآلفِ بينَهُم.
4.       صلاةُ العيدِ ليسَ لها سنَّةٌ راتبةٌ قبليةٌ ولا بعديةٌ؛ لِما رَوى ابنُ عباسٍ رضيَ الله عنهما (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا...) أخرجه البخاري، وإذا كانتْ صلاةُ العيدِ في المسجِدِ فلا يجلسْ الداخلُ حتى يصلِّيَ ركعتينِ؛ لحديث أبي قتادة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قال: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ) متفقٌ عليه.
5.       صلاةُ العيدِ ليسَ لها أذانٌ ولا إقامةٌ؛ لحديثِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعِيدَ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلا إِقَامَةٍ) أخرجه أحمد في مسنده بإسنادٍ صحيح.
6.       تُقدَّمُ صلاةُ العيدِ على الخُطبةِ، لما روى عبدُ اللهِ بنُ عمرَ رضي الله عنهما (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ ثُمَّ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ) أخرجه البخاري، وكذلك فَعَلَ الخلفاءُ الراشدونَ المهديون من بعدهِ، وعليه جُلُّ علماءِ الأمةِ.
7.       ينبغِي للمسلمِ أن يحرصَ على حضور خطبة العيد، وألَّا ينصرفَ عقِبَ الصلاةِ مباشرةً؛ لما في ذلك مِن اتباعِ هديِ المصطفَى صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ، ولمَا فِي الخطبة مِن بيانٍ لأحكامِ يومِ العيدِ، وآدابِه ومستحباته.
8.       إذَا اجتمعَ العيدُ مع الجمُعَةِ في يومٍ واحدٍ فالراجحُ في المسألةِ أنَّ من صلىَّ العيدَ سقطت عنه الجمعةُ، ويصلِّيهاً ظهراً؛ ولا يسقطُ عنهُ فرضُ الظُّهرِ؛ لأنَّ فرضَ الظُّهرِ ثبتَ بيقينٍ؛ فلا يزول إلّا بيقينٍ مثلهِ، ويدلُّ لذلك حديثُ زيد بن أرقم رضي الله عنه (أنًّهُ شَهِدَ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيْدَيْنِ [يقصد العيد والجمعة] اجْتَمَعَا فِي يَومٍ، فَصَلَّى العِيدَ، ثُمَّ رَخَّصَ فِيْ الجُمُعَةِ، فَقَاْلَ: مَنْ شَاْءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلّ) أخرجه أبو داوود وصححه ابن خزيمة.
9.       صلاةُ العيدِ ركعتانِ فقط، وهما مخصوصتانِ بزيادةٍ في التكبيرِ، وكيفيتهُما في ستَّةِ أفعالٍ على النَّحوِ التالِي:
‌أ.          المشهور في المسألة أن يُكبِّرَ المصلي في الركعةِ الأولَى سبعَ تكبيراتٍ بعد تكبيرة الإحرامِ، وفي الثانية خمسَ تكبيراتٍ بعد تكبيرة القيام، لحديث عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جده (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً، سَبْعًا فِي الْأُولَى، وَخَمْسًا فِي الْآخِرَةِ، وَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا، وَلَا بَعْدَهَا) أخرجه أحمد بإسنادٍ صحيحٍ، وورد عن الصحابة رضي الله عنهم اختلاف في عدد التكبيرات، والمسألةُ فيها سعةٌ.
‌ب.      يكبِّر المأمومُ تبعاً للإمامِ، يرفع يديه معَ كلِّ تكبيرةٍ على الراجحِ من مذاهبِ العلماءِ، وإليه ذهبَ الشافعيةُ والحنابلةُ، ويدلُّ لهُ حديثُ وائل بن حُجرٍ رضي الله عنه قال: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِيرِ) أخرجه أبو داوود بإسنادٍ حسنٍ، وهو عامٌّ في صلاةِ العيدِ وغيرِها.
‌ج.       والتكبيراتُ الزائدةُ في ركعتي العيد سنَّةٌ، لا تبطلُ الصلاةُ بتركِها، وليس فيها سجودُ سهوٍ؛ لكنَّ مَنْ تركَها عمداً يُعَدُّ مُخالفاً لسُنَّةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وفاتَهُ خيرٌ كثيرٌ.
‌د.         يُسنُّ للمصلي أن يحمدَ الله تعالى ويُثنِيَ عليهِ، ويُصليِّ على نبيِّهِ بين كلِّ تكبيرةٍ وأخرى؛ لما روى عُقبةُ بنُ عامرٍ قال: سألت ابن مسعودٍ رضي الله عنه عمَّا يقوله بعد تكبيرات العيد قال: (يحمدُ اللهَ ويُثنِي عليهِ، ويُصلِّي على النَّبِيِّ) أخرجه البيهقيُّ، وصحَّحه الألباني.
‌ه.      إذا دخلَ المأمومُ مع الإمامِ وقد فاتَهُ بعضُ التكبيراتِ الزائدةِ؛ فإنَّه يُكِّبرُ مع الإمامِ، ويَمضِي مَعَهُ في الصلاةِ، ويَسقطُ عنه ما فاتَهُ من التكبيراتِ الزائدةِ.
‌و.        يُسنُّ للإمام أن يقرأَ في الركعةِ الأولَى بسورةِ الأعلَى، وفي الثانيةِ بسورةِ الغاشيةِ؛ لحديثِ النعمانِ بنِ بشيرٍ رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ علَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا فِي العِيْدِ) أخرجه مسلمٌ.
وصلَّى اللهُ علَى نبيِّهِ محمدٍ وعلى آلِه وصحبِهِ أجمعينَ

الخميس، 1 أغسطس 2013

أريجُ العِطْر في أحكامِ زكاة الفِطْر


بسم الله الرحمن الرحيم

أريجُ العِطْر في أحكامِ زكاة الفِطْر

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وبعد...
فهذه رسالةٌ موجزةٌ في أهمَّ أحكامِ صدقةِ الفطر، وهي مبسوطةٌ في النقاط التسع التالية:

§        أولاً: تعريفُ صدقةِ الفِطر:
(صدقةُ الفِطرِ) وتسمى أيضا (زكاةَ الفِطرِ) أو (الفِطرة) هي: مقدارٌ من المالِ يُخرِجُه المسلمُ عن نفسِهِ وأهلِ بيتِهِ في نهايةِ شهرِ رمضانَ المباركِ، وهيَ زكاةٌ على الأَبدانِ والأشخاصِ.

§        ثانياً: الحكمةُ من مشروعيَّتِها:
شُرِعت صدقةُ الفِطر لحكمٍ عديدةٍ، أهمُّها اثنتان:
الأولى: تفقُّدُ الفقراءِ، والرفقُ بهم، وإدخالُ السرور عليهم، وإغناؤهم عن السؤال في يوم العيد.
الثانية: تطهيرُ الصائِم من اللَّغوِ والرفثِ، وجبرُ الخلل الذي يعتري صيامَه إذا أذنبَ، أو قصَّر في حقِّ الله تعالى.
ويدلُّ لذلك ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فَرَضَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ اَلْفِطْرِ; طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اَللَّغْوِ وَالرَّفَثِ, وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ؛ فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ اَلصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ, وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ اَلصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ اَلصَّدَقَاتِ) أخرجه أبو داود وابن ماجه, وصححه الحاكم.

§        ثالثاً: حُكم صدقةِ الفِطر:
صدقةُ الفطرِ واجبةٌ على المسلمين؛ ويدلُّ لذلك ما جاء في حديث ابن عباسٍ السابق: (فَرَضَ رَسُولُ اَللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ اَلْفِطْرِ... ).

§        رابعاً: الذي تُخرجُ عنه صدقة الفطر:
صدقةُ الفِطر يُخرِجُها المُسلِم عن نفسِهِ، وأهلِ بيتِه الأحياءِ، وعن كلِّ من وجبتْ نفقتُهم عليه مِن مالِه؛ كالزوجة والأولاد، والأب والأم، إذا ملَكَ قيمتها زيادةً عن قوتِه وقوتِ من في نفقته ليلةَ العيدِ ويومَه، ولا يُشترط لوجوبها أن يكون المُخرِجُ مالكاً لنصاب زكاة المال.

§        خامساً: حكم إخراج صدقة الفطر عن الجنين:
إذا وُلد الجنينُ قبلَ غروبِ شمسِ آخرِ يومٍ في رمضانَ؛ وجبَ إخراجُ الزكاةِ عنه، أمَّا إذا غَربت شمسُ آخرِ يومٍ في رمضان وهو في بطن أمِّه؛ فلا يجب إخراجها عنه؛ لكن يستحب لما نُقِلَ عن عثمانَ رضي الله عنه أنَّه فعل ذلك، ولِمَا جاء عن أَبِي قِلَابَةَ رضيَ اللهُ عنهُ قَالَ: (كَانَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ يُعْطُوا زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ حَتَّى عَلَى الْحَبَلِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه.

§        سادساً: وقتُ إخراجِ صدقةِ الفطرِ:
يُسنُّ تأخيرُ إخراجِ صدقةِ الفِطر إلى آخرِ يومٍ أو يومينِ في رمضانَ؛ لما روى نافعٌ عن ابن عمر رضي الله عنهما: (وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ) أخرجه البخاري، وليتحقق منها إغناءُ الفقراء عن المسألةِ يوم العيد، ويجوز إخراجها من أول يومٍ في شهرِ رمضانَ المباركِ.
ولا يجوزُ تأخيرُها عن صلاةِ العيدِ؛ لأنَّ المقصدَ منها إغناءُ الفقراءِ عن الطلبِ في يومِ السُّرورِ، ولو أخَّرَ المسلمُ صدقةَ فِطْرِه بغيرِ عُذرٍ كان عاصياً، ووَجَبَ عليه إخراجُهَا قضاءً؛ لخروجِ وقتها.

§        سابعاً: لمن تُعطى صدقة الفطر ؟
تُصرفُ زكاةُ الفِطرِ لمصارِف الزكاة الثمانيَةِ التي وردتْ في القرآن الكريم، ويُسنُّ تخصيصُها في الفقراءِ والمساكينِ؛ لتحقيق المقصد من مشروعيتها، وهو إغناءُ الفقراءِ عن الطلبِ، ويجوز دفع زكاة الفطر عن الجماعة لفقيرٍ واحدٍ، كما يجوز دفعها عن شخص واحدٍ لأكثر من فقير.

§        ثامناً: هل يجوز إخراج القيمة في صدقة الفطر ؟
تُخْرَجُ زكاةُ الفِطرِ من غالب الطَّعام الذي يَقْتَاتُهُ أهل البلد؛ لِما روى أَبو سَعِيدٍ اَلْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: (كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ اَلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ, أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ, أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ, أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ) مُتَّفَقٌ عَلَيْه.
كما يجوزُ إخراجُ قيمتِها بالنقودِ المتداولةِ في البلد على الراجح من مذاهبِ العلماءِ، وهو مذهب سفيان الثوري، وعمر بن عبد العزيز، والإمام أبي حنيفة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، ومال إليه الشيخ الألباني في فتاواه؛ لأنَّ المقصد منها إغناءُ الفقراء عن السؤال يوم العيد، والنُّقود أبلغُ في تحقيق ذلك، كما أنّ التمر والشعير والزبيب الوارد ذكرها في الحديث قد كانت من غالب قوت البلدِ، فكان إخراجُهُا أيسرَ على المنفق، وأنفعَ للآخذ، وكذلك الحال في النُّقود اليوم؛ فإنَّ إخراجها أيسرُ على المنفق، كما أنَّ قبضَها أَنْفعُ للآخذ.

§        تاسعاً: قيمة صدقة الفطر لهذا العام:
حدَّد المجلسُ الأعلى للإفتاءِ في فلسطين مقدارَ صدقةِ الفِطر لهذا العام 1434 هـ لمن أراد إخراج القيمة بمبلغ (تسعة شواكل) عن كل فردٍ، والله تعالى أعلم.

وصلَّى الله على نبيه محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.