الجمعة، 12 يوليو 2013

خلوف الصائمين ودماء المجاهدين


بسم الله الرحمن الرحيم

خلوف الصائمين ودماء المجاهدين

بقلم الشيخ: محمد سليمان الفرا

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين، وبعد...
أخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي).
( الخلوف هو الرائحة الكريهة المنبعثة من جوف الصائم بسبب خلو المعدة من الطعام ).
يقسم النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن رائحة الخلوف التي تنبعث من جوف الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك؛ لأنها نشأت في طاعة الله، وسببها ترك العبد للمفطرات ابتغاء مرضاة الله تعالى، وهذا دليلٌ على علو مرتبة الصائم عند ربه جل وعلا.
وجاء عند البخاري ومسلم أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاُ: ( لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ، إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ ).
( يكلم: أي يجرح في سبيل الله، يثعب: يتفجرُ بالدم ).
وفي الحديث قسم من النبي صلى الله عليه وسلم أن من خرج مجاهداً في سبيل الله، وقد أخلص نيته لربه، فجرح؛ فإن جرحه يأتي شاهداً له يوم القيامة بأن يكون لونه لون الدم، وريحه ريح المسك.

§        السؤال: ما المستفاد من مجموع الحديثين ؟
الجواب: يفهم من الحديثين أنَّ فضل الصيام وثوابه عند الله تعالى أعظم من فضل الجهاد في سبيل الله.
ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر فضل الصيام أخبر أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، أما دم المجاهد في سبيل الله تعالى فهو كريح المسك، وكلمة ( أطيب ) من أفعال التفضيل.

§        السؤال الأهم: لماذا كان فضل الصيام أعظم عند الله من فضل الجهاد ؟
يتلخص الجواب في ثلاثة أسباب:
1.     إن الصيام يدخل في المقاصد، والجهاد إنما هو من الوسائل، والمقاصد أفضل من الوسائل.
2.     إن الصيام مدرسة الإعداد للجهاد؛ فهو يربي الإرادة، ويعود على الصبر، ومن لا يصبر على ترك الشهوات، لا يصبر على حر السلاح في ساحات المعارك، ولا عجب أن تجد القرآن الكريم قد أتبع آيات الصيام في سورة البقرة بآيات الجهاد: { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ } 190.
3.     إن في الصيام انتصار على النفس والهوى، أما الجهاد في سبيل الله فالانتصار فيه يكون على الاعداء الكافرين، والانتصار على النفس أصعب من الانتصار على العدو الخارجي، ومن لا ينتصر على نفسه لا ينتصر على عدوه، وفي القرآن الكريم مثال على ذلك في قصة طالوت وجالوت:
حيث قال تعالى:{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ } ( البقرة 249 – 251 ).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان عدد جيش طالوت ثمانين ألف مقاتل، فشرب منهم ستة وسبعون ألفاً، وبقي أربعة آلاف؛ فما رأوا العدو قالوا: ( لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ )، ولم ثبت منهم سوى ثلاث مائة وأربعة عشر رجلاً فقط؛ كعدد جيش المسلمين في بدر، فقاتل بهم طالوت، وانتصر على عدوه.