الخميس، 16 مايو 2013

حكم الكفارة قبل الحنث في اليمين


بسم الله الرحمن الرحيم
هل تجزئ الكفارة قبل الحنث في اليمين ؟
الشيخ محمد سليمان الفرا

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد... من المسائل الفقهية التي تمس واقع الناس الاجتماعي مسائل الأيمان وكفاراتها، ومنها مسألتنا ( هل تجزئ الكفارة قبل الحنث في اليمين ؟ ). ذلك أننا نعرف أن من حنث في يمين وجبت عليه الكفارة ، ولكن من خلف على شيء ثم نوى الحنث: هل يجوز له أن يكفر قبل الحنث أم لا يكفر إلا بعد أن يحنث في يمينه؟
أولاً: مذاهب العلماء:
§    المذهب الأول: يجزئ مطلقا ( سواء كانت مالاً أو صوماً ) وهو مذهب أربعة عشر من الصحابة وجمهور الفقهاء وهو مشهور مذهب مالك.
§        المذهب الثاني: لا تجزئ قبل الحنث مطلقاً، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، ورواية أشهب عن مالك.
§        المذهب الثالث: تجزئ بالإطعام والعتق والكسوة، ولا تجزئ بالصوم، وبه قال الإمام الشافعي.
ـ قال الشوكاني في نيل الأوطار: رأي ربيعة والأوزاعي ومالك والليث وسائر فقهاء الأمصار غير أهل الرأي أن الكفارة تجزئ قبل الحنث إلا أن الشافعي استثنى الصيام فقال: لا يجزئ إلا بعد الحنث وقال أصحاب الرأي: لا تجزئ الكفارة قبل الحنث. وعن مالك روايتان. ووافق الحنفية أشهب من المالكية وداود الظاهري, وخالفه ابن حزم.
ثانيا: أدلة المذاهب:
§        أدلة المذهب الأول: استدل أصحاب هذا المذهب على ما ذهبوا إليه بما يلي:
1.   قوله تعالى: { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ }، فالآية الكريمة رتبت الكفارة على اليمين المنعقدة لا على الحنث.
2.  وقوله تعالى: { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ذَلِكَ }، فالآية الكريمة أضافت الكفارة إلى اليمين، وعليه فاليمين هي سبب الكفارة، فإذا وقع السبب وقع المسبب.
3.  ما أخرجه أبو داوود عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير ). وجه الدلالة: ظاهر الحديث يرتب الكفارة على اليمين أيضا.
قال القرطبي: " اليمين سبب الكفارة؛ لقوله تعالى: { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ذَلِكَ } فأضاف الكفارة إلى اليمين، والمعاني تضاف إلى أسبابها؛ وأيضا فإن الكفارة بدل عن البر فيجوز تقديمها قبل الحنث ".
§        أدلة المذهب الثاني: واستدل أصحاب هذا المذهب على ما ذهبوا إليه بما يلي:
1.  ما رواه مسلم عن عدي بن حاتم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من حلف على يمين ثم رأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير ) زاد النسائي ( وليكفر عن يمينه ). فالحديث رتب الكفارة على الحنث لا على اليمين.
2.     الكفارة إنما هي لرفع الإثم، وما لم يحنث لم يكن هناك إثم حتى يُرفع فلا معنى لفعلها.
3.     الآية الكريمة فيها إضمار فيصبح المعنى ( أي إذا حلفتم وحنثتم )، ورده مخالفوه فقالوا: بل التقدير ( إذا حلفتم فأردتم الحنث.. ).
4.     وأيضا فإن كل عبادة فعلت قبل وجوبها لم تصح قياساُ على الصلوات وسائر العبادات.
§        أدلة المذهب الثالث:
قال الشافعي ـ رحمه الله تعالى: فمن حلف على شيء فأراد أن يحنث , فأحب إلي لو لم يكفر حتى يحنث وإن كفر قبل الحنث بإطعام رجوت أن يجزي عنه وإن كفر بصوم قبل الحنث لم يجز عنه , وذلك أنا نزعم أن لله تبارك وتعالى حقا على العباد في أنفسهم وأموالهم فالحق الذي في أموالهم إذا قدموه قبل محله أجزأهم وأصل ذلك { أن النبي صلى الله عليه وسلم تسلف من العباس صدقة عام قبل أن يدخل } وأن المسلمين قد قدموا صدقة الفطر قبل أن يكون الفطر فجعلنا الحقوق التي في الأموال قياسا على هذا , فأما الأعمال التي على الأبدان فلا تجزي إلا بعد مواقيتها كالصلاة التي لا تجزي إلا بعد الوقت والصوم لا يجزي إلا في الوقت أو قضاء بعد الوقت الحج الذي لا يجزي العبد ولا الصغير من حجة الإسلام ; لأنهما حجا قبل أن يجب عليهما.  ( الأم للشافعي ـ الأيمان والنذور والكفارات في الأيمان ـ الكفارة قبل الحنث وبعده ـ ص 67 ).
وبالتالي يكون هذا المذهب هو الراجح جمعا بين المذاهب، والله تعالى أعلم
ثالثا: سبب الخلاف:
1.     الاختلاف في فهم الآية { ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ذَلِكَ } هل هي على ظاهرها أم فيها إضمار ؟
2.     التعارض الظاهري بين حديثي أبي موسى الأشعري، وعدي بن حاتم.
3.  اختلافهم هل الكفارة تمنع من الحنث، أم ترفع إثمه إذا وقع ؟ فمن قال تمنع من الحنث أجازها قبله، ومن قال ترفع إثمه لم يجزها قبله لأنه لا إثم قبل الحنث.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق