الثلاثاء، 7 يونيو 2016

الثلاثون حديثا الرمضانية - الحديث الثاني

الحديث الثاني:
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) متفقٌ عليه: البخاري برقم 1957، ومسلم برقم 1098، وعَنْ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ وَدَاعٍ رضيَ اللهُ عنهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (عَجَّلُوا الْإِفْطَارَ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم 395، وصحَّحه الألبانيُّ في صحيح الجامع الصغير برقم 3989.
فقه الحديث:
يرشدُ الحديثانِ الصَّائمينَ إلى سُنَّةِ تعجيلِ الفطرِ، وتأخيرِ السحور، ويدلانِ على أنَّ تعجيلَ الفطرِ، وتأخير السحورِ علامةٌ من علاماتِ خيريةِ أمةِ الإسلام، وبقاء أبنائِها في سَعةٍ من أمرهم، ويسرٍ في دينهم.
وسرُّ الخَيريةِ في ذلكَ هو اتباعُ الهَدي النبويِّ، ولو كانَ فِي سنةٍ يَسيرةٍ تتعلَّقُ بالطعامِ والشَّرابِ، الذي هو أصلُه من العاداتِ، وفِي حديثِ سهلٍ إشارةٌ إلى أنَّ فسادَ أمور الناسِ يتعلَّقُ بتغيُّرِ هذه السُّنةِ، التي هي تعجيلُ الفطرِ، وأن تأخيره، ومخالفةَ السُّنَّةِ في ذلكَ علامةٌ عَلَى فسادِ الأُمور (المعلم بفوائد مسلمٍ للمازري: 2/47).
كما أنَّ تعجيل الفطر وتأخير السحور فيهما مخالفة لليهود وأهل الأهواء، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ) أخرجه الترمذيُّ في سننه برقم 1698ن وصححه الألبانيُّ في صحيح الجامع صغير برقم 7689.
قال العلامةُ السنديُّ رحمه الله: " قَوْلُهُ: (فَإِنَّ الْيَهُودَ إِلَخْ) تَعْلِيلٌ لِمَا ذُكِرَ بِأَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةً لِأَعْدَاءِ اللَّهِ، فَمَا دَامَ النَّاسُ يُرَاعُونَ مُخَالَفَةَ أَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى يَنْصُرُهُمُ اللَّهُ وَيُظْهِرُ دِينَهُمْ (حاشية السندي: 1/519).
وتعجيل الفطر وتأخير السحور كان عادةَ الصحابةِ رضي الله عنهم، فعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونَ الْأَوْدِيِّ قَالَ: "كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَ النَّاسِ إفْطَارًا وَأَبْطَأَهُمْ سُحُورًا" (نيل الأوطار للشوكاني: 4/260).
تنبيه:
إنَّ سنةَ تعجيل الفطر محلُّها أن يتيقنَ العبدُ دخولَ وقت المغربِ؛ بمشاهدة غروب الشمس، أو خبرِ من يثِقُ بِه ِمِن أهلِ العدلِ، ولا يجوزُ الفطرُ قبلَ دخولِ الوقتِ بذريعةِ تحقيقِ سنَّةِ تعجيل الفطرِ، فإنَّ هذا من عمل الجهلة الذي لا فقه لهم في دين اللهِ، وكذلك الحالُ في تأخير السحور، شرطه إلا يكونَ بعد دخول وقت الفجر.
قال الصنعانيُّ: "وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ بِالرُّؤْيَةِ، أَوْ بِإِخْبَارِ مَنْ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْعِلَّةَ وَهِيَ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى.. وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُزَادُ فِي النَّهَارِ مِنْ اللَّيْلِ، وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالصَّائِمِ، وَأَقْوَى لَهُ عَلَى الْعِبَادَةِ" (سبل السلام: 1/563).

الثلاثون حديثا الرمضانية - الحديث الأول

الحديث الأول:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَتَاكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ). أخرجهُ النسائيُّ فِي سننِه برقم (2106)، وصحَّحهُ الألبانيُّ فِي صَحيحِ الجامِعِ الصَّغِيرِ برقم (55).
قولِه: (تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ) أي أبوابُ الجنَّةِ، فقد جاء في روايةِ أحمدَ (تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ) (أخرجه أحمد في مسنده برقم 7148)، ومَعلومٌ أنَّ جنَّةَ المأوَى فوقَ السماءِ السَّابعَة، وسقفُها تحتَ عرشِ الرحمنِ جلَّ جلالُه (لوامع الأنوار للسفاريني: 2/237)، فإذَا كانتْ أبوابُ الجنةِ مفتوحةً في رمضان؛ لزِم من ذلك أن تكون أبواب السماء مفتوحةً كذلك.
قوله: (وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ) الماردُ من الشياطين: هو المتمردُ العاتِي الشَّدِيدُ (النهاية لابن الأثير: 4/315)، والمُراد من الحديث: أنَّ الله تعالى يعصم المسلمين أو أكثرهم في رمضان من المعاصي، فلا يخلص إليهم الشيطان فيه كما كانوا يخلص إليهم في سائر السنة. (التمهيد لابن عبد البر 16/153).
فإن قيل: إذا سُلسِلَت الشياطينُ في رمضانَ وصُفِّدَتْ؛ فكيفَ تقعُ المَعاصِي مِن العِباد في رمضانَ؟
فالجواب عن ذلك ملخصه أن المعاصي تقعُ من العبادِ بمَيلِ الطَّبعِ إلى الشهوات المحرَّمَةِ، وليسَ للشيطانِ حظٌّ إلا التزيينُ والتحريضُ، وإذا بَعُدَ المُحَرِّضُ عَن المِقَدامِ لَم يَبْطُلْ إِقدَامُهُ. (كشف المشكل لابن الجوزي 3/409).
وقوله: (لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) هذه الليلةُ هي ليلةُ القدرِ التي أنزل فيها القرآنُ، وفضلُها عند الله عظيمٌ، فهي ليلةٌ واحدةٌ في وقتها؛ لكنَّ العبَادَة فِيهَا خيرٌ عندَ اللهِ تعالَى مِن عبادةِ ألفِ شهرٍ سواهَا، فالعبدُ إذا أدركها، واجتهد فيها؛ حصَّلَ خيراً عظيماً، وثواباً عميماً من الله تعالى، ومَن حُرِمَ هذا الخير كانَ محروماً مغبوناً، فإنَّ ألفَ شهرٍ تنيفُ عن ثمانينَ سنةً، وقَد جاءَ في روايةِ أنسٍ رضي الله عنه: (ولا يحرَمُ خَيْرها إلا كلُّ محرومٍ). (أخرجه ابن ماجه في سننه برقم 1964).
وبالجملةِ فالحديثُ يسوقُ للمسلمينَ سِتَّ بشاراتٍ خَصَّهم اللهُ تعَالَى بِهَا فِي شَهر رمضَانَ، فقد جعلَهُ مُباركاً عليهم، وخصَّهُ بفرضيةِ الصَّيام، التي سيدةُ العبادات، وعبادةُ السادات، كمَا فتح لهم فيه أبوابَ الجنَّةِ، وأغلق دونهم أبواب الجحيمِ، وسلسلَ الشياطينَ، وصفَّدها فلا تقوى على الوسوسَة والإفسادِ، كما كانت في غير رمضان، وحباهُم بليلةِ القَدرِ التِي هي أعظمُ عندَ اللهِ تعالَى مِن ثلاثينَ ألفَ ليلةٍ سواها.