السبت، 5 أكتوبر 2013

البيانُ الشافِي في أحكامِ الأَضاحِي


البيانُ الشافِي في أحكامِ الأَضاحِي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإليكم أحدَ عشرَ حُكماً في الأضحية:
1.  حكمُ الأضحيةِ: أفتَى جمهورُ أهلِ العلمِ بتأكُّدِ استحبابِ الأضحيةِ، ويكرهُ تركُها للقادرِ عليهَا، لما أخرج ابن ماجه عن أبي هريرة t أن النبيَّ r قال: (مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصلَّانا) حسَّنه الألباني، ولا حرجَ من الاستدانةِ لهَا إذا وَثِقَ المُضحِّي بسهولةِ قضاءِ الدَّينِ في أشهرٍ معدوداتٍ، وإلَّا فيُكْرَهُ له ذلكَ.
2.  حكمُ التضحية بالعُجول المُسَمَّنة: الأصلُ في الأضحية التقيد بالسِّن؛ لما أخرج مسلم عن جابر t أن النبي r قال: (لَا تَذْبَحُوا إِلَا مُسِنَّةً؛ إِلَا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ)، والمُسِنُّ من العجولِ ما أتمَّ سنتينِ، ومن الغنمِ ما أتمَّ سنةً كاملةً، والجذع من الضأنِ ما أتمَّ ستةَ أشهرٍ على الأقل، وكان ضخم الحجم، فيجبُ على المُضحِي أن يبحثَ عن السنِّ المعتبرةِ في العجلِ، والمَزَارعُ لا يخلو أكثرها من ذلك، فإن لم يجد فليضحِّ بالضأنِ، فإن لم يجِد الجذعَ من الضأن، أو كان فقيرَ الحالِ، كثيرَ الأرحام والعيالِ فليُضحِّ أخيرًا بالعجول المُسمنة؛ رخصةً شرعيةً له.
3.  عيوبُ الأضاحي: أخرج النسائيُّ عن البراء t أن النبي r قال: (لَا يَجُوزُ مِنَ الضَّحَايَا أَرْبَعٌ: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي)، والعجفاءُ هي الهزيلةُ التي لا مُخَّ لها، لكن لو كان العورُ أو العرجُ أو المرضُ أو العجف يسيراً غير واضحٍ فإنَّه لا يضرُّ، أما ذهابُ القرنِ أو بعضِه فليسَ عيبًا مؤثراً في صحة الأضحية، وأما العيوبُ الأخرى؛ فالأصلُ أنَّها لا تمنعُ من إجزاءِ الأضحيةِ؛ إلَّا إذا كانتْ تؤثرُ في وفرةِ اللحمِ، أو جَودتِه وطيبِ طعمِه.
4.  العيبُ الطَّارئُ بعدَ الشِّراءِ: لو أصابَ الأضحيةَ بعد شرائها عيبٌ؛ كأن تُصابَ بالعور أو العرج؛ فإنَّها تُجزئ على الراجح؛ إِذ العيوبُ الحادثةُ بعد الشراءِ أو التعيينِ لا تضرُّ؛ لكنَّ الأحوط لمن وجد سعة ماليةً أن يستبدلها بأخرى سليمة.
5.  اختلافُ نوايَا الشُّركاءِ: لا حرجَ في اختلافِ نوايا الشركاءِ في الأضحيةِ الواحدةِ من الإبل والبقر، ما دامت للعبادةِ أو القُربةِ؛ كما لو نوى أحدُ المشتركين في العجلِ أُضحيةً، والثاني عقيقةً، والثالث صدقةً، وهكذا، فإنَّما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوَى، ويجوزُ أن يشتركَ في العِجل الواحدِ من أراد التضحيةَ، ومن أراد اللحم فقط في مذهبُ الشافعيةِ.
6.  شروطُ الاشتراكِ في الأضحيةِ الواحدةِ: إذا اشترك عددٌ من الإخوة في شاةٍ واحدةٍ مثلاً، أو أخذوا جميعاً حُصةً واحدةً من عجلٍ أو جملٍ، وكانوا غيرَ شركاء في النفقةِ؛ فإنه يُشترط أن تكونَ الأضحية عن شخصٍ واحدٍ منهم، وأما ما يدفعهُ الأبناءُ لأبيهِم، أو الإخوةُ لأحدهِم؛ لأجلِ التضحيةِ، فهو محضٌ هبةٍ وصدقةٍ، ولا يجوزُ أن يطلبَ المتبرعُ لحمًا بمقدارِ ما دفع من المالِ، وصاحبُ الأضحيةِ له أن يُهدِيَهِ بقدرِ ما تجودُ به نفسهُ؛ بشرطِ ألاَّ يكونَ ذلكَ بمقدارِ ما دفعَ من المالِ، ولا حرجَ مِن تبادلِ الأدوارِ في الأعوامِ التاليةِ، فمن كان مُضحيًا اليومَ يصبح متصدقًا غداً، ومن كان متصدقًا اليومَ يصبحُ غدًا مضحيًا.
7.  حكمُ بيعِ جلدِ الأُضحيَةِ: يحرمُ إعطاء الجَزَّارِ أجرتَه من لحمِ الأضحيةِ، أو جلدِها؛ لقول النبي r: (مِنْ بَاعَ جِلْدَ أُضحيته فلا أضحية له) حسَّنه الألباني، ولأنَّهُ يكونُ قد ضحىَّ بأقلَّ مِن شاةٍ، وأن يتصدَّقَ المضحُّونَ بجلودِ ضحاياهُم خيرٌ لهم من تعفُّنِها وفسادِها، ولا يجوزُ للمُضَحِّي بيعهُا بتاتاً.
8.  حكمُ استبدالِ الأُضحيةِ: من اشترَى أضحيةً، ثم أحبَّ أن يستبدلَها بغيرِها؛ فإنَّه لا حرجَ في ذلك؛ بشرطِ أن يكونَ الاستبدالُ إلى أحسنَ منها، بأن يكون البدلُ أوفرَ لحماً، وأنفعَ للأرحام والفقراء، وإلاَّ فلا يجوز الاستبدال.
9.  بينَ الأُضحيةِ والعَقيقةِ: إن الأضحية أعظمُ أجرًا من العقيقة، ووقتها مُضَيَّقٌ، بخلاف العقيقة فوقتُهَا مُوَسَّعٌ، ولا يجوز أن يجمع المضحي بين نية الأضحية والعقيقة في شاةٍ واحدةٍ، أو حصة واحدةٍ من عجل مثلاً؛ فمقاصد الأضحية تختلف عن مقاصد العقيقة؛ وكلامها مقصودٌ لذاتهِ، فلا تداخل بينهما.
10.    الإمساكُ عن الشَّعرِ والأظافرِ: إذا دخلت العشرُ الأوائلُ من شهرِ ذي الحجةِ استُحبَّ للمُضحِي ألا يأخُذ شيئاً مِن شَعره أو أظفَارِهِ؛ لحديثِ أم سلمة t أن النبي r قال: (إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ) متّفقٌ عليه، ولعلَّ السِّرَّ فيه أن يتشبه بالحجيج في الإمساكِ عنهما، ولو أخذ منها فنرجو ألاَّ يكون آثمًا، والإمساكُ عن الشَّعرِ والأظفارِ سُّنةٌ خاصةٌ بالمُضِحِّي دونَ أهلِ بيتِه.
11.    كيفَ تُوَزَّعُ الأُضحيَةُ: للمُضَحِّي أن يأكُل من أضحيَّته، ويُطعِمَ منها لحديثِ بريدة t أن النبي r قال: (فَكُلُوا مَا بَدَا لَكُمْ وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا) رواهُ الترمذيُّ، وقال الشَّافعيةُ: يُستحب التَّصدُّقُ بأكثرِها، وأدنَى الكمالِ أنْ يأكلَ المُضحِّي الثلثَ، ويتصدَّقَ بالثلثِ على الفقراءِ، ويُهدِي الثلثَّ للأَرحَامِ،  لِما جاءَ عن ابنِ عمرَ t قال: (الضَّحَايَا والهدَايَا: ثلثٌ لك، وثلثٌ لأهلك، وثلثٌ للمساكين) رواه الطبراني بإسنادٍ حسنٍ.
والحمد لله في الأول والختام، وعلى رسوله محمدٍ أفضل الصلاة وأتم السلام