الاثنين، 5 أغسطس 2013

تكحيلُ العَيْنَيْن بآدابِ ومستحبات العِيدَيْن


بسم الله الرحمن الرحيم
تكحيلُ العَيْنَيْن بآدابِ ومستحبات العِيدَيْن
بقلم الشيخ: محمد سليمان الفرا
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ علَى أشرفِ الخلقِ أجمعينَ، وبعدُ...
فهذِه رسالةٌ لطيفةٌ تتضمَّنُ بيانَ آدابِ العيدِ ومُستحبَّاتِه، وتُحذِّرُ من المخالفات التي قَد يُقارِفُها الناس فيه، وبيانُ ذلكَ في النُّقطتين التَّاليتينِ:

§        أولاً: سُنَنُ يومِ العيدِ وآدابُهُ:
للعيدِ آدابٌ ومستحباتٌ بيانُها في البنودِ العشرةِ التاليةِ:
1.       يستحب للرجال رفع الصوت بالتكبير في ليلتي العيدين في مساجدهم، ومنازلهم، وطرقهم؛ لقول الله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} (سورة البقرة، من الآية 185)، وللنساء أن يُكَبِّرْنَ بصوتٍ خفيضٍ، وينتهِي وقتُ التَّكبيرِ في عيد الفطر بنهاية صلاةِ العيد، أما في عيد الأضحى فيستمرُّ إلى غروبِ شمسِ ثالثِ أيامِ التشريقِ، وهيَ الأيامُ الثَّلاثةُ التي تلِي يومَ الأضحَى.
2.       التكبيرُ للعيدِ له كيفيَّاتٌ عديدةٌ، والأمرُ فيه واسعٌ، والمشهورُ في المسألةِ ما استحبَّه الإمامٌ الشافعيُّ رحمه الله، حيث قال النووي: "وصيغته المحبوبة: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، هذا هو المشهور من نصوص الشافعي" منهاج الطالبين، ص 24 
3.       من مُستحباتِ يومِ العيدِ الاغتسالُ، والتَّجَمُّلَ والزينةُ في الملبسِ والهيئةِ، ولبسُ أفضل الثياب وأجملها، والتطيبُ، وتقليمُ الأظافر؛ لأنه يوم فرحٍ وسرورٍ، وفيه يجتمع الناس ويتزاورون.
4.       يُستحبُّ للناسِ أن يُفطروا على تمرٍ قبل الخروج للصلاة يوم عيد الفطر، وأن يؤخروا طعامهم يوم الأضحى لما بعد النَّحرِ، ويدلُّ لذلك حديث أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنهُ قال: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ) وفي روايةٍ (وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا) أخرجه البخاري، وعن بريدة رضي الله عنه قال: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ، وَلَا يَأْكُلُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ) أخرجه أحمد بإسنادٍ حسنٍ.
5.       يستحبُ التبْكيرُ إلى المصلَّى في يوم العيد؛ لقول الله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} (سورة المائدة، من الآية 48)، والعيدُ مِن أعظمِ الخيراتِ، وقد دلَّت النصوصُ علَى فضِيلةِ التَّبكيرِ إلى الجماعاتِ والجُمُعاتِ، والدُّنُوِّ من الإمامِ، وفضيلةِ الصفِّ الأولِ؛ والعيدُ يدخلُ في ذلك كلِّهِ.
6.       ويستحب في يوم العيد خروج النساء والصبيان إلى المصلى؛ لحديث أم عطية: (أَمَرَنَاْ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِيْ الفِطْرِ والأَضًحَى... فَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ) أخرجه أحمد وأصله عند البخاري، ويجبُ على النساءِ التستُّرُ، وعدم السفور، وتركُ الطيبِ والزينةِ التي فيها فتنةٌ للرجال.
7.       ويستحبُّ المشيُ إلى المصلَّى في يومِ العيدِ، وتركُ الرُّكوبِ للقادرِ على ذلك، قال ابن المنذر: " المشيُ إلى العيدِ أحسنُ، وأقربُ إلى التواضعِ، ولا شيءَ علَى من ركِب " الأوسط لابن المنذر: ج 4، ص 264.
8.       ومن المستحبات في هذا اليوم التهنئة بالعيد، وإظهار الفرحِ والسُّرورِ بقدومِهِ؛ لما جاء عن جُبير بن نُفيرٍ قال: (كَاْنَ أَصْحَاْبُ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا الْتَقَوْا يَوْمَ العِيْدِ يَقُوْلُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكَ) ذكره ابن حَجَرٍ في فتح الباري، وحسَّن إسناده.
9.       يُستحبُّ فِي يومِ العيدِ أنْ يرجعَ المُصلِّي من غير الطريق الذي ذهب منه للصلاة؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ) أخرجه البخاري، ولمخالفةِ الطريقِ حِكَمٌ كثيرة منها: إظهار شعائر الإسلام، ولتشهد له الملائكة في الطريقينِ، وفيه إظهارُ ذكرِ اللهِ تعالى، والسلامُ على أهلِ الطَّريقينِ...
10.   من أفضلِ الأعمالِ في يومِ العيدِ صلةُ الأرحامِ، وتفقُّدُ الفقراءِ والمساكين، وإدخال السرور على الأيتام والأرامل والثكالى؛ ذلك أن يوم العيد هو يوم فرحٍ وسرورٍ، ومن خير ما يصنع العبد فيه أن يُدخل السرورَ على قلوب المسلمين.

§        ثانياً: مخالفاتٌ ينبغي الحذرُ منها:
وأشهرها خمسٌ على النَّحوِ التالي:
1.       مصافحةُ النساء الأجنبيات:
يحرُمُ علَى الرجلِ مصافحةُ المرأةِ الأجنبيَّةِ التي ليست مِن محارِمِه، ويدلُّ لذلك حديث معقل بن يسارٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيِطٍ مِنْ حَدِيْدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ) أخرجه الطبراني وصححه الألباني، فلا يجوز التساهلُ فِي ذلكَ يومَ العيدِ.
2.       تأخيرُ الصلاة عن وقتها:
ينشغلُ بعضُ الناسِ في يوم العيد بِصِلَةِ الأرحامِ والتزاورِ عن الصَّلاة؛ فيؤخرونها لآخر وقتها، وفي بعض الأحيان يخرج وقتها قبل أدائها، وفي ذلك مخالفةٌ شرعيَّةٌ؛ فإنه لا يجوزُ تأخيرُ الصلاة عن وقتِها لغيرِ عُذرٍ معتبرٍ شرعاً، ومن أخَّرَ الصلاةَ عن وقتِها مِن غيرِ عُذر فقد أثم إثماً عظيماً، لقولِ الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} (سورة الماعون، الآيتان 4، 5)، قال المفسرون: الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها.
3.       الإساءة في صلة الرحم.
ويكون ذلك بإلقاء الهديَّة أو (العِيديَّةِ) لأرحامه من الباب، وعدم دخول البيت بحجة كثرة الأرحامِ، وضيقِ الوقتِ، أو قد يبعثها لأرحامه مع ولده الصغير، وفي ذلك مخالفةٌ للهدي النبوي في صلة الرحم؛ فإنَّ من مقاصدِ صلةِ الرحِمِ المؤانسةَ، وتفقدَ الأحوالِ.
4.       الإسراف وتبذير المال:
ويكون ذلك بالتَّوسُّعِ المذمُومِ في الطعامِ، والشرابِ، واللباسِ، أو شراء ما لا فائدة فيه من الألعاب التي يكون ضررُها أكثرَ من نفعها؛ كالأدواتِ الحادَّةِ التي تُسبب أذىً للناس في أبدانهم وأنفسهم، أو تكسر قلوب الفقراء وأبنائهم، وقد حَرَّمَ الإسلامُ التبذيرَ ونهانَا عَن الإسرافِ فقال سبحانه وتعالى: {وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (سورة الأنعام، من الآية 141)، وقال جل وعلا: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } (سورة الإسراء، من الآية 27).
5.       التقصيرُ في التكبير للعيد:
فقد أصبحَ التكبيرُ للعيدِ في المساجِدِ والأسواقِ والطرقاتِ مهجوراً في زماننا، وصارَ الناسُ يقتصرونَ علَى التكبيرِ في المُصليات وقتَ الصلاةِ علَى استحياءٍ، وبصوتٍ خفيضٍ، وهو خلافُ السُّنة، والأصلُ في ذلكَ رفعُ الصوتِ بالتكبير والتهليلِ في الطرقات، ومجامع الناس؛ اتباعاً للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلم، وإظهاراً للشعيرة واعترافاً بنعمةِ اللهِ علينَا.
والحمدُ لله في الأوَّلِ والختامِ، وعلى رسولِه محمدٍ أفضلُ الصلاةِ وأتمُّ السلامِ

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق