السبت، 31 أغسطس 2013

أيُّها الشامتون في دمائنا.. كفى !!!


أيُّها الشامتون في دمائنا.. كفى !!!
بقلم الشيخ محمد سليمان الفرا
بيَّن القرآن الكريم طبيعة العلاقة بين المنافقين من أبناء هذه الأمة، والمغضوب عليهم من أهل الكتاب؛ فجعلهم إخوةً في الباطل ومتعاونين على الزور ومجابهة أهل الحق؛ فقال سبحانه في سورة الحشر: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }  الآية 11.
§        الكذب ديدن اليهود والمنافقين:
ولذلك لا عجبَ أن تجدَ تشابهاً فطرياً في الصفات بين إخوان الشياطين من اليهود والمنافقين، ويدلُّ لذلك أن الله جلَّ وعلا قد وصف الفريقين بالكذب في القرآن الكريم، فقال في سورة آل عمران واصفاً اليهود: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } الآية 75، فهؤلاء القوم كذبوا على الخلق، وكذبوا على الحق جلَّ وعلا؛ ذلك أنَّهم ادَّعَوا أنهم لن يدخلوا النار إلا أياماً معدودةً، وقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، وأنَّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء؛ كذباً على الله، وتعالياً على الناس.
كما أنَّه وصف المنافقين بالكذب في أول آية تتوعدهم في القرآن الكريم فقال في سورة البقرة: { فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } الآية 10.
وقد سمَّاهم الله مرضى، والمرض لا يُصيب أبدانهم، وإنما يصيب قلوبهم ودخائل نفوسهم، فترى أجسامهم سليمة من العيوب، وقد ترى على بعضهم سمات الصلاح الظاهرة؛ ولذلك قال عنهم في سورة المنافقون: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} الآية 4.
§        داء الشماتة في مصاب الناس:
ومن أخطر الأمراض التي أصابت قلوب المنافقين الذي يسارعون في أعداء الأمة، ويوالون غير المسلمين: الفرح بأذية المسلمين وإظهار الشماتة في مصابهم، وهي صفة ذكرها الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم ملازمةً للمنافقين وأوليائهم من اليهود دون غيرهم من البشر.
فقال مخبراً عن اليهود في سورة آل عمران: {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} الآية 120، فهم يفرحون لمصاب المؤمنين، وتسودُّ وجوههم غيظاً وحسداً لخيرٍ أو نعمةٍ آتانا الله إياها، {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } النساء 54.
وهذا الداء – داء الشماتة – قد أصاب  قلوب أوليائهم من المنافقين، فقد قال الله تعالى عنهم في سورة التوبة: {إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ } الآية 50، فالقلوب متشابهة، والطباع واحدةٌ، والشماتة في مصاب المؤمنين على وجوههم بادية.
إنه فرح بئيس... ممزوجٌ بالحقد على المسلمين... والشماتة في مصابهم... يدل على عدم إيمانهم بالقضاء والقدر، وأن ما أصاب المسلمين من بأساءٍ أو ضراءٍ إنما هو بقدر الله تعالى ليصنع هذه الأمة على عينه.
ومما يزيد الألم أن ترى هؤلاء المنافقين من إخوان إبناء القردة والخنازير يظهرون الشماتة صراحة في دماء المسلمين التي تسيل، ويعلو وجههم البشر والسرور للأرواح التي تزهق، ومنهم من دبَّج الكلمات والمقالات والتحليلات انتصاراً للقتلة والمجرين، وشماتة في دماء الأبرياء المظلومين.
وكأنَّه يعجبهم حالُ المسلمين في مصر وقد سالت دماء شبابهم وفتياتهم على الأسفلت، أو يعجبهم حال سورياً وقد ضرب أطفالها بالسلاح الكيمياوي، أو يعجبهم حال العراق وقد فقدت أمنها، وضاعت مقدراتها، أو يعجبهم حال فلسطين وقد قضم العدو أكثر أرضها، وفرط له المفاوض فيما تبقى بلا ثمن !!!!.
بل إنك تراهم قد تعدَّوا مرحلة الشماتة في المسلمين ومصابهم، وأظهروا شماتةً وقحةً في الإسلام ذاته؛ كتلك الشماتة التي علت وجوه كفار قريش يوم معركة أحد؛ حين قال قائلهم: أعل هبل... العزى لنا ولا عزى لكم... يوم بيوم والحرب سجال !
أما أعلم أولئك السفهاء أن من لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم؛ وأنَّ من خذل مؤمناً في موطنٍ يطلب فيه نصرته خذله الله في موضعٍ يرجو فيه نصرته ؟
إنَّ الشماتة في مُصاب المسلمين وعدمُ الاهتمام لأمرهم يُعدُّ ثُلمةً في عقيدة الإنسان قد تخرجه من دائرة الإسلام إلى دائرة من تولى من الكفار والمجرمين.
إنَّ هؤلاء المنافقين الصغار قد ساروا على درب أجدادهم من المنافقين الكبار الذين فرحوا بترك طريق الجهاد وتنكبوا سبيل ذات الشوكة فقال الله عنهم في التوبة: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} الآية 81.
وإن الله تعالى قد توعَّد هؤلاء المنافقين وأجدادهم في القرآن الكريم فقال في سورة التوبة {فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} الآية 82.
وعليه فأقول لهؤلاء المنافقين الذين فرحوا بترك الجهاد في سبيل الله وتنكبوا طريق الحق، وسلكوا طريق التيه يفاوضون فيها العدو مقابل سراب يحلمون به، وفرحوا لمصاب المسلمين، وشمتوا في الأرواح التي أزهقت منهم بغير حقٍّ؛ أقول لهم كما قال الله تعالى لأجدادهم: {فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} إنَّ موعدهم مع ندم كبيرٍ، وبكاءٍ كثير؛ حيث لا ينفع الندم، ولا يفيد البكاء، كل ذلك بما قدَّمت أيديهم، والله من ورائهم محيط.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق