الجمعة، 23 أغسطس 2013

ليبيرالية المبادئ ومبادئ الليبيرالية


ليبيرالية المبادئ ومبادئ الليبيرالية

بقلم: محمد ســـليمان الفرا
أكاديمي وباحث فلسطيني

لا زالت التيارات العلمانية واليسارية والليبيرالية في بلادنا العربية – كلُّها أو جلُّها - تثبت كلَّ يوم أنها ليست صاحبة مبدأ، ولا ترتكز إلى أخلاق أو عقلانية، بل هي فاقدة لأي شرف أو مصداقية.

وتبرهن بالدليل الدامغ أنها ليست مبتورةً عن الأنظمة الحاكمة (الدكتاتورية) المنقرضة بكل أجهزتها الأمنية والعسكرية والإعلامية التي أصبحت تمثل اليوم أدوات الاستبداد ومعاداة الشعوب، بل أصبحت اليوم تقف ضد إرادة الشعوب وحرياتها بكل وقاحة.

لقد اعتقد الناس إلى وقت قريب أنَّ هذه الشريحة المبتورة عن الأمة تاريخا ووعيا ووجدانا وثقافة قد فهمت الدرس من الثورات الشعبية التي انطلقت عام 2011م.

وظنوا أنها وقفت مع إرادة الشعوب التي خرجت للميادين تطالب بالحرية والمساواة، وتعلن رفضها للظلم أياً كان مصدره؛ على اعتبار أن مبادئ الليبيرالية تقوم على أساس دستورية الدولة، والديمقراطية، والانتخابات الحرة والنزيهة، وحقوق الإنسان، وحرية الاعتقاد، وأنِّ من مبادئها تكريس سيادة الشعب عن طريق الاقتراع العام، وذلك للتعبير عن إرادة الشعب واحترام مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، وأن تخضع هذه السلطات للقانون من أجل ضمان الحريات الفردية وللحد من الامتيازات الخاصة، ورفض ممارسة السيادة خارج المؤسسات لكي تكون هذه المؤسسات معبرة عن إرادة الشعب بأكمله.

كما أنَّ الليبيراليين في فترة سابقة قد صموا آذننا بالمناداة بحق المعارضة السياسية خصوصًا، وخطورة عسكرة المعارضة أو تسلحها، فبدون الحريات التي تحرص عليها الليبرالية فإنه لا يمكن تشكيل معارضة حقيقية ودعايتها لنفسها وبالتالي لن تكون هنالك انتخابات ذات معنى ولا حكومة منتخبة بشكل ديمقراطي نتيجة لذلك.

لكنها وللأسف أعادتنا بالذاكرة إلى ما جرى في الجزائر من انقلابٍ مباشرٍ على نتائج الانتخابات التي جرت في ديسمبر 1991م، وفازت فيها جبهة الإنقاذ الإسلامية بغالبية ساحقة وصلت إلى 82%، ما يجعلها قادرة على استلام السلطة باقتدار. وأعادتنا كذلك إلى ما تبع هذا الانقلاب من حرب على الإسلاميين والمجتمع الجزائري عقوبة له على هذا الاختيار.

§         إيمان بالديموقراطية وكفر بنتائجها:

هؤلاء الليبيراليون كانوا ينادون بالديموقراطية، وهم الآن أكفر الناس بها، وكانوا يحذرون من عسكرة السلطة، وهم الآن أكثر (اللاحسين) لبساطير العسكر، وكانوا يرفضون الحكم الجبري القائم على الانقلاب العسكري، وهم الآن أكثر الداعمين له، بل يخرجون على وسائل الإعلام بوجوههم المشوهة، وألسنهم الأفعوانية وأقلامهم المسمومة يدافعون عن الانقلابات العسكرية التي عفا عليها الزمن، ولم يعد تنطلي على الشعوب، بل يحالون باستماتةٍ مفضوحة أن يبرروا عمليات قتل المتظاهرين، والإبادة الجماعية التي يتعرض لها من يرفض الانقلاب.

والسبب في ذلك أنهم يؤمنون بالديموقراطية التي تأبي بهم إلى الحكم وتجعلهم أوصياء على الشعوب العربية التي عاشت عقوداً تحت جنازير الانقلابات العسكرية؛ ولن لو فاز غيرهم بهذه الاداة (الديموقراطية) فإنهم من أول الكافرين بها؛ لأن الشعوب - في وجهة نظرهم - مخدوع بالدين، ومتأثرة بالإسلام القديم، وهي لا تعرف مصلحتها، وأن مصلحة الشعوب ونجاتها تتلخص في سلخها عن قيمهما ومبادئها وتاريخها الإسلامي، ولو بالسلاح؛ لذلك تراهم يعارضون الحكم العسكري، ويدعون لمدنية الدولة، ثم يلهثون خلف (بارونات الحرب) و(أمراء السلاح) للانقلاب على نتائج الانتخابات التي لم تأت بهم، ولم تؤهلهم لقيادة المجتمع.

§         الديموقراطية وتداول السلطة:

هؤلاء (المسوخ) رغم انكشاف سوءاتهم لا يزالون يحرصون على المناداة بالديموقراطية (التي نفرزهم) ويدعمون (الانتخابات) التي تأتي بهم، وهم لا يعلمون أن الانظمة الدكتاتورية البادئة كانت ديموقراطية أكثر منهم؛ فقد كان اسيادهم يعقدون الانتخابات – وإن كانت مزورة – ثم يحترمون نتائجها؛ أما هؤلاء فسرعان ما يواجهون إرادة الشعوب، ويجابهونها بأفكار باتت (منقرضة).

هؤلاء المساكين يظنون أن الديموقراطية هي الانتخابات – بشرط أن تأتي بهم – وهم بذلك أخطأوا مرتين، وكانوا أسوأ من الجنرالات التي حكمت الشعوب بالحديد والنار عقوداً طويلة:

المرة الأولى: لما آمنوا بالانتخابات وكفروا بنتائجها، فكانوا مثالاً مستنسخاً عن الجيش الجزائري التي ربته فرنسا، وانفقت عليه من مالها، فاعلن عام 1991 أن فوز الإسلاميين في الانتخابات هو (ولد غير شرعي) للديموقراطية، فأثبتوا على أنفسهم أنَّ الديموقراطية التي يعتبرونها أماً لهم ليست سوى مجرد زانية تحمل سفاحاً، وتأتي باللقطاء.

أما الخطأ الثاني: لما ظنوا أنَّ الديموقراطية هي الانتخابات، وهذا ليس صحيحاً؛ لأن الأنظمة القمعية التي زالت عن صدورنا كانت تعقد الانتخابات (وإن كانت مزورة) وكانت تحترم إرادة (الصندوق) بغض النظر عن الطريقة التي كان يملأ بها الصندوق؛ فهل نستطيع تمسية ذلك ديموقراطية ؟؟؟؟

طبعاً لا؛ لأنَّ الديموقراطية لها مبادئ وأدوات، والانتخابات هي أداة من أدوات الديموقراطية؛ أما المبدأ التي تقوم عليه الديموقراطية هو (التداول السلمي للسلطة) والرضا بالنتائج، والمعارضة السياسية الشريفة التي تقوم على أساس المصلحة الوطنية.

ولذلك فإنَّ دول قلب أفريقيا – ومنها جمهورية الكونغو (الديموقراطية!!) – تجري فيها الانتخابات كل فترة، ومع ذلك هي بعيدة كل البعد عن الديموقراطية؛ لأنها تفتقد مبدأ الديموقراطية؛ فكل انتخابات تعقد فيها يعقبها حرب أهلية، واحتماك مقيت للسلاح، وتشريد لآلاف الأبرياء، ولذلك لا نستطيع أن نقول أجريت انتخابات في الكونغو، بل نقول: (نشبت) انتخابات في الكونغو؛ لأنها لم تقم على أساس الديموقراطية مبادئها.

§         ثورة على الكهنوتية الليبيرالية:

وهكذا الحال عند الليبيراليين العرب يؤمنون بالديموقراطية، ويكفرون بالتداول السلمي للسلطة، ويعتبرون أنفسهم أولياءً على إرادة الشعوب؛ ليستنسخوا بذلك حقبة الحكم الكهنوتي لأوروبا في العصور الوسطى، وهذا ما سيستدعي ثورة جديدة للشعوب العربية الطامحة للحرية والكرامة على بابوات (الكنيسة الليبيرالية) على غرار الثورة الفرنسية التي قامت على (بابوات الكنيسة الكاثوليكية) سابقاً.

وإلا فإن ليبيرالية المبادئ سترجعنا مرةً اخرى إلى عصور الاستبداد والحكم الديكتاتوري، وديموقراطية إقصاء الأخرين، وانتخابات الـ(99.9 %).

هناك تعليقان (2):

  1. هدولا اللبراليين فش عندهم دين وحلال كتلهم اول شيئ لانهم اخذو هاد المهج فقط ليتركو الاسلام وعدم الحكم بالاسلام تاني شيئ عندهم قاعدة لو اليهود وامريكيا اهل خير ودومقراطية وانفتاح يبقي نعبدهم


    ونسيو قول الله تعالي ولن ترضي عنك اليهود ولا النصاري حتي تتبع ملتهم.

    وفي الاخير كلهم ولاد كلاب بلا استثناء

    ردحذف
  2. كلام رائع .... نحتاج من هذا الكلام كثيراً.............

    ردحذف