الأربعاء، 8 أكتوبر 2014

إتحافُ الكِرامِ الأخيارِ بأحكامِ زكاةِ الزُّروعِ والثِّمارِ

بسم الله الرحمن الرحيم
إتحافُ الكِرامِ الأخيارِ بأحكامِ زكاةِ الزُّروعِ والثِّمارِ
محمد سليمان نصر الله الفرا
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى المبعوثِ رحمةً للعالمينَ، وبعدُ...
فإنَّ الزَّكاةَ رُكنٌ مِن أركانِ الإسْلامِ الخَمْسَةِ, فرضَهَا اللهُ جلَّ وعلَا فِي أموالِ المؤمنينَ، تُؤخذُ مِن أغنيائِهم، وتُعطَى لفقرائِهم, وقَرَنَ بينَها وبينَ الصَّلاةِ فِي عشَراتِ الآيَاتِ؛ تأكيداً علَى وُجُوبِهَا وأهمِّيتِهَا، ومَن أنكرَ وجوبَ الزكاةِ كانَ كافراً خارجاً عَن الملَّةِ, ومَن منَعَها بُخلاً وشُحًّا فهُوَ فاسقٌ آثمٌ بارتكابِ إحدَى الكبائرِ، ولذَا فإنَّهُ ينالُهُ شديدُ العقابِ فِي الآخرةِ, وتُؤخذُ مِنهُ قهراً فِي الدُّنيَا.
وللزَّكاةِ حِكَمٌ متعدِّدةٌ، مِنهَا بثُّ رُوحِ التكافلِ بينَ المسلمينَ، وتزكِيَةُ النَّفسِ، وتطهِيرُ المالِ، قالَ تعالىَ: )خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا( التوبة: 103.
وتَجِبُ الزكاةُ فِي أصنافٍ مُعَيَّنَةٍ مِن المالِ، المُجمَعُ عليهِ منهَا: الذهبُ والفضةُ، وسائرُ النقودِ، والأنعامُ السَّائمةُ، وعُروضُ التِّجارةِ، والمعادنُ والرِّكازُ، والزروعُ والثمارُ، وقدْ اقتصرنَا فِي هذِه الفتوَى علَى بيانِ أحكامِ الزكاةِ فِي الزروعِ والثمارِ؛ لمَسيسِ الحاجةِ إلَى معرفتِها، خصوصاً فِي هذَا الوقتِ الذِي يحينُ فيهِ حصادُ القمحِ والشَّعيرِ, وإليكَ البيانُ فِي تسعِ نقاطٍ:
1.      تجِبُ الزكاةُ فِي الزروعِ والثمارِ فيمَا يصلحُ أن يكونَ قوتاً يعيشُ بِه الإنسانُ, ويُمكنُ ادِّخارُه بحيثُ لَا يَفسُدُ معَ مُرورِ الزَّمنِ, وذلكَ كثمرِ النّْخلِ والعنبِ, وكالقمحِ والشَّعيرِ والذُّرةِ والأرزِّ والعَدَسِ والحِمَّصِ والفولِ واللوبياءِ والبازلاءِ، وغيرِها مِن الحُبوبِ التِي تَصْلُحُ طَعَاماً أساسيًّا للناسِ، ويُمكنُ تخزينُها حالَ جفافِها, فهذِه تجبُ فيهَا الزَّكاةُ, ويلحقُ بهَا الزيتونُ، ففيهِ الزكاةُ علَى الراجحِ مِن أقوالِ أهلِ العلمِ.
2.      تجِبُ الزَّكاةُ فِي الزروعِ والثِّمارِ إذَا بلغَتْ نصاباً شرعياً وقدرُهُ (خمسةُ أوسقٍ), وتعادلُ في زماننا (612 كيلو جراماً)، فمَن بلغَ نَتاجُ زرعِهِ أو ثَمَرِهِ هذَا القَدْرَ (612 كيلو جراماً) وَجَبَ عليهِ أنْ يُخرِجَ زكاتَهُ, ومَن نَقُصَ زرعُهُ أو ثمرُهُ عَن هذَا القَدْرِ فلَا زكاةَ عليهِ، لحديثِ أَبِي سعيدٍ الخدْريِّ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ) متفقٌ عليهِ، أمَّا مَا يَبقَى فِي قِشرهِ الذِي لَا يُؤْكَلُ، ويُباعُ مَعَهُ كَأكوازِ الذُّرَةِ، وقُرُونِ البازِلَّاءِ فِي بلادِنَا؛ فإنَّ مَا لَا يُؤْكَلُ مِن القِشْرِ ونَحْوِهِ لَا يُحسَبُ فِي النِّصَابِ، وعلَيْهِ فيُقدِّرُ المُزَارِعُ نِصَابَ المَحْصُولِ المُصفَّى تَقدِيراً، بِخَصْمِ الثُّلُثِ أَو النِّصْفِ مَثَلاً.
3.      القدرُ الواجبُ فِي الزكاةِ: إذَا كانَ الزرعُ أو الثَّمَرُ يُسقَى بماءِ المَطَرِ, أو يَشربُ بعروقِهِ المُمتدَّةِ فِي الأرضِ دونَ تكلفةٍ زائدةٍ، وهوَ البعليُّ، وَقَدْ بلَغَ نِصاباً؛ وَجَبَ علَى صاحِبِه أَنْ يُخرِجَ عُشرَ نتاجِ زرعِه أَو ثَمَرِه (10%), وإذَا كانَ يُسقَى بأجرةٍ وتكلفةٍ؛ فالواجبُ نصفُ العُشرِ (5 %), وإذا سُقيَ نصفَ الوقتِ بماءِ المطرِ، والنصفَ الآخرَ بأُجرةٍ وتكلفةٍ؛ فالواجبُ ثلاثةُ أرباعِ العُشرِ (7.5 %), وإنْ سُقيَ بأحدِهِما أكثرَ منَ الآخرِ فالحكمُ للأكثرِ، لحديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهُما أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ: (فِيْمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ، أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ) أخرجهُ البخاريُّ، والعثريُّ: هُو النخلُ الذِي يشربُ الماءَ بعروقِه الممتدَّةِ فِي الأرضِ دونَ أنْ يسقِيَهُ أحدٌ، والنضحُ: هو نقلُ الماءِ إلَى المزروعاتِ علَى الحيواناتِ، أو بالآلاتِ، وخراطيمِ المياهِ والتنقيطِ، وهُوَ مَا يُعرفُ عندِ العوامِّ بالتفتوف، ونحوِها.
4.      وقتُ إخراجِ الزكاةِ فِي الثمارِ بعدَ الجفافِ، وذلكَ إذَا صارَ ثَمَرُ النخلِ تَمْراً, والعنبُ زبيباً, وأمَّا فِي الزروعِ   فإخراجُ الزكاةِ يكونُ بعدَ دَرْس الزَّرعِ، وتصفيَةِ الحَبِّ مِن التِّبنِ أو القشرِ, ولَا زكاةَ علَى التَّبنِ والقشرِ إلَّا إذَا كانَ الحبُّ يدَّخر ويؤكلُ بقشرِه، فإنَّ القشرَ يدخلُ فِي حِسَابِ الزَّكاةِ؛ لأنَّه طعامٌ.
5.      النَّخلُ الذِي لَا يصيرُ بَلَحُهُ تمراً, والعنبُ الذِي لَا يصيرُ زبيباً, تُؤخذُ زكاتُه مِن ثمنِه بعدَ بيعِه إذا بلغَ نصاباً، وهوَ مذهبُ المالكيَّةِ, وعندَ الشافعيَّةِ تؤخذُ الزكاةُ مِن نفسِ الثَمَرِ عندَ نُضْجِه وصَلاحِهِ للأكلِ, وقولُ المالكيَّةِ أيسرُ علَى الناسِ، وبه أفتى ابنُ عُثيمينَ، وقالَ: " لأنَّ ذلكَ أسهلُ علَى المالكِ، وأنفع للمحتاجِ "، ولأنَّهُ قَد يتسارعُ إليهِ الفسادُ، فلا يستفيدُ الفقيرُ منهُ.
6.      إذَا بيعَ الزرعُ رَطْباً قبلَ الجَفافِ، كالفولِ والبازلَّاءِ واللوبياءِ التِي تُباعُ بقرونِهَا، فهذهِ حكمُهَا كحُكمِ النَّخلِ الذِي لا يَصِيرُ بلَحُه تمراً، والعنبِ الذِي لَا يصيرُ زبيباً, إمَّا أن يُخرِجَ القدرَ الواجبَ، وهُو العُشرُ أَو نصفُ العُشرِ مِن نفسِ الزرعِ, وإمَّا أنْ يُخرِجَ قيمةَ الزكاةِ مِن ثمنِهِ بعدَ بيعِهِ، وهُوَ الأيسرُ علَى المزارعِ، والأنفعُ للفقيرِ، قالَ ابنُ عثيمينَ: " وإخراجُ القيمةِ غالباً أنفعُ للفقراءِ ".
7.      يجبُ علَى المزكِّي أنْ يُخرِجَ الزكاةَ عَن جَميعِ المَحْصُولِ, فلا تُخصَمُ النفقاتُ المتعلقةُ بِسَقْيِ الزَّرعِ مُطلقاً, وأمَّا النفقاتُ المُتعلِّقةُ بشراءِ البُذورِ والسَّمادِ والمُبيداتِ لوقايةِ الزرعِ مِن الآفاتِ، ومؤنَةِ الجُذاذِ والحصادِ، فإنَّها تُخصَمُ مِنَ المحصولِ قبلَ حِسابِ النصابِ، على الرَّاجحِ مِن أقوالِ أهلِ العِلم, ودليلُ ذلكَ قولُ ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا: (يَقْضِى مَا أَنْفَقَ عَلَى الثَّمَرَةِ، ثُمَّ يُزَكِّى مَا بَقِيَ) أخرجه البيهقيُّ.  
8.      إذا اشتركَ شركاءٌ في زرعٍ واحدٍ فإنَّ هذَا الزرعَ يُعَدُّ مَالاً واحداً، وتَجبُ فيهِ الزَّكاةُ كأنَّهُ لشخصٍ وَاحدٍ، فإذَا بَلغَ النصابَ قبلَ قسمتِهِ وجبتْ فيه الزكاةُ؛ لعمومِ قولِه عليهِ الصلاةُ والسلامُ: (لاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ؛ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ) أخرجه أبو داود، فإذَا أخذَ كلُّ واحدٍ نصيبَه مِن الزرعِ أو الثمرِ أخرجَ القدْرَ الواجبَ حسبَ حِصتهِ، وإذَا استأجرَ الشخصُ أرضاً فزرَعَها؛ فإنَّ زكاةَ الزرعِ تجبُ عليهِ دونَ مالكِ الأرضِ؛ لأنَّ الثَّمرَ لهُ، لَا لِصاحبِ الأرضِ.
9.      تُصرفُ زكاةُ الزُّروعِ والثِّمارِ فِي الأصنافِ الثَّمانيَةِ الواردَةِ فِي قولِه تعالَى: )إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ( سورة التوبة: 60, ولا تُعطَى الزَّكاةُ للأصولِ؛ كالأبِ والأمِّ، والجدِّ والجدَّةِ, ولا تُعطَى للفروعِ؛ كالأبنَاءِ وأبنائِهِم، ذكوراً كانُوا أو إناثاً, ويجوزُ إعطاؤُها للإخوةِ والأخواتِ، وأزواجِ البناتِ، وأزواجِ الأخواتِ، وسائرِ الأقاربِ، بشرطِ أنْ يكونُوا فُقراءَ، أو مِن أهلِ المصارِفِ المذكورةِ فِي الآيةِ، وهِي حالئذٍ صدقةٌ وصِلةُ رحمٍ، فيكونُ ثوابُها أعظمَ عندَ اللهِ تعالَى.
10.  سائرُ الخَضرواتِ والفواكِهِ سِوَى ثمرتَيْ النخِيلِ والعِنَبِ، ففِي وُجوبِ الزكاةِ فيهَا خلافٌ بينَ العُلماءِ، وننصحُ بإخراجِ الزكاةِ منهَا إذَا بلغَ المحصولُ نِصاباً، بعدَ خَصْمِ النَّفقاتِ التِي أُنفِقتْ عليهَا فِي غيرِ السَّقيِ، وفقَ مَا سبقَ بيانُهُ فِي البَنْدِ السَّابِعِ، خُرُوجاً مِنَ الخِلافِ، ومُسارعةً لشكرِ النِّعمَةِ.

واللهُ تعالَى أعلمُ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ علَى نبيِّنا محمدٍ، وعلَى آلهِ وأزواجِه وأصحابهِ أجمعينَ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق